الخميس، 27 أكتوبر 2011

قراءة كل عين حتى المنطفئ منها


للعين قدرة الفضح والصفح وقدرة القهر. للعين قدرة القتل أيضا، وخصوصا لأصحاب القلوب العفيفة الصادقة التي لا تروم قضاء وطر لتبدأ وطرا آخر.

للعين القدرة على اختصار الكلام؛ بل استدراجه ليعلن عن نفسه ونصه.

للعين تلك الطاقة التي ترى من خلالها إما ضعفك أو قوتك من خلال قوة أو ضعف صاحبها.

للعين تلك القدرة على أن تأخذ بك إلى علو أو أن تستدرجك إلى هاوية.

في العيون كلام من بريق. في العيون اليوم بصمة تحدد مواطنتك الكونية الصالحة أو الطالحة.

لكأن العين مرآة كشف ما هو لصيق بك أحيانا ولكنك لا تراه. تحتاج إلى مرآة لتقدمه لك. تماما هي العين. مرآتنا لما لا نرى وهو قريب منا أقرب من حبل الوريد.

وفي العين تعرف الرضا وتميزه عن السخط. تعرف اللهفة والنفور. تعرف طهرانية أحدهم أو عربدته وخلاعته.

لكل عين سحرها. بعضها سحر فاتن بذروة روعته وجماله، وبعضها سحر صاد ودافع بذروة روعه وقبحه.

لكل عين بصمتها وقدرتها على تركنا في مهب حيرة أو كشف. نتقمص أرواح سوانا أمام العيون التي لا تترك لك مجالا للتأويل. نتقمصها لنهرب منا. من أرواحنا. من أعبائنا ومن أخطائنا.

تنشغل بالعيون التي تعنيك. عيون أصدقاء وأحبة وأهل وحتى عابري سبيل، تلمس بمجساتك الخاصة قدرا من البراءة أو الدفء فيهم. لم تلتقهم. لم يتح لك الوقت الكافي كي تستدرج عيونهم إلى اعتراف وكشف عابر؛ لكنك لن تعدم طريقة بمجساتك تلك من تحديد الأولي من معدنها وتحديد قدرتك على أن تضعها باعتبارك أو تضعها ضمن قائمة طويلة من بشر وعيون عبرت واجتازت حياتك وأوقاتك وأمكنتك من دون أن يلوح فيها بريق.

حتى العيون المنطفأة التي جاءت إلى الدنيا وقد خطف بريقها، يمكنك تلمس بريق استثنائي فيها. بريق أن تشتهي الرؤية وتتمناها تلك العيون. أن تتعرف على عائلة الألوان والملامح، وخصوصا ملامح من أنجبهم وتظل رؤيته لهم عبر اللمس. تظل حاسة اللمس عينا أخرى. عينا جانبية يحدد بها شكل ولون وملامح من أنجب.

وثمة عيون تذكرك بالصحارى التي لا شيء يدل على الحياة فيها. وثمة عيون تأخذك إلى نزهة وسياحة. إلى جنان الله القائمة والتي تفترضها وتدشنها في مخيلتك.

وبعض العيون سفر سريع في وسيلة نقل أسرع، وبعضها إقامة فيك. في روحك وفي ما يضمن توازنك النفسي والروحي. لا تفتقد الأولى، وتظل في حنين دائم وانشداد مستمر للثانية. كل ما يمنحك التوازن في النفس والروح تظل باحثا عنه وقائما عليه.

وعلينا ألا ننسى عيونا من أحبتنا تهبنا السعة من الخيال في ثراء سحرها، تأخذ بنا إلى ما بعده بمراحل؛ فيما عيون أخرى تحجم قدرتنا على طاقة الخيال نفسه. تدفع بنا دفعا للعودة إلى العاجز منا ومن إمكاناتنا.

لا أحد يصطفي العين التي يبتغي. العيون عبور في دنيانا، سفر لالتقاط الأرواح. سفر سريع يحتاج منا إلى أن ننتخب ونلتفت إلى ما يرتقي بأرواحنا، وما يأخذ بنا إلى حشد وتراكم من سمو.

فقط انتبهوا إلى عيون أحبتكم ما أضاء منها وما أنطفأ. منها يمكنكم أن تحددوا حتى مؤشر العاطفة والقبول والسخط والتذمر، وحتى تمني ألا تكونوا من رعايا هذا الكوكب في الصباح الذي يليه.

ثم إن قراءة العيون تكشف عن صاحبها وقلبه. تكشف عن قدرته على هتك حجاب ما ظن صاحبه أنه عصي على الدنو أو الاقتراب منه.

وسيد القصيدة الذاهبة في دهشتها وعيونها على العالم وتفاصيله بامتياز، محمود درويش، في "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، يستعرض عيونا من نوع آخر. عيون الحياة والعاطفة واللحظة والزمان بمجمله وأسوار المكان وإن كان مفتوحا في توهم قائم، وهامش الجمال في الضفتين، ضفة الأفق وضفة الحجز. يستعرض عيونا تائهة في ما بعد الألوان، الأخضر والأزرق والعسلي، ومن بينهم العشب ولون الماء وأوقات أثيرة على الروح، وخصوصا الأول منه: الفجر:

عينان تائهتان في الألوان

خضروان قبل العشب

زرقاوان قبل الفجر

تقتبسان لون الماء

ثم تصوبان إلى البحيرة نظرة عسلية

فيصير لون الماء أخضر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق