سأبقي عيني مفتوحة على هذا الوطن كفلَّاح داهمته الغصص وهو يصحو على حقل تم حصده من لصوص الليل وخفافيش البشر؛ بعد سنوات من العَرَق والأمل والأحلام.
سأصمم الأمل الذي يليق بروحي كي أثبت أن الحياة لا يمكنها أن تعلن تقاعدها كلما كثر الندابون والنواحون أو حتى هواة الاستجمام.
سأترك نوافذي مشرعة على الشمس والهواء ومهابة المحاولة؛ كلما انهمر الغاز مع كل احتجاج يتطلع إلى حصة من الشمس والهواء بعيداً عن آلة الإسكات.
لن تشغلني بعد اليوم مغامرات «الشحرورة» يوم أن كانت لحماً وأصبحت عظماً، سأكون مشغولة بعافية وحيوية هذه الأوطان التي صودرت كل المعادن من دمها؛ ولم يتبقَّ إلا أن تحال دماؤها إلى وقود صديق لبيئة القهر، في حدوده النهائية.
سأكون منشغلة بالغد، وأنا أترصد كل فرح وانفعالات وصمت وتجاوز وقمع الحاضر. لن أجعل من الهراوة والعصا أداة ضبط لي من قبل أية جهة. أداة ضبطي أن أنام وأصحو على ميزان مفعل في الحقوق والعدالة التي يمتد أثرها إلى الإنسان ولا تتجاوز بيئة ذلك الإنسان.
سأختبر روح هذا الوطن بالشهود في مواضع بلوغ الروح الحلقوم. سأختبره بشيوع أعياده؛ لا مجازره؛ وشيوع ولاداته لا جنائزه؛ وشيوع تقدمه لا تقهقره؛ وشيوع جنونه المنتج؛ لا شيوع عقل يراد توجيهه في مختبرات الإعلام والمنابر وغرف التحقيق السرية.
لن أقلع عن عادة فتح عيني على المضيء في هذه الأوطان، بالقدر الذي أفتح فيه عيني على المعتم فيها.
لن أنزوي مرتجفة في زاوية مع كل مكالمة تهديد وشتم يكشف عن بيئة صاحبه، حين أترك لسبابتي حرية وحق فقء عين كل تطاول على الحقوق ومناسيب مياهها الغائرة.
لا مستقبل لي ولملايين في هذه الأوطان في ظل حرية مشروطة ومجتزأة. لا مستقبل لي ولملايين في هذه «الكانتونات»؛ في ظل ثقافة رائجة في الكراهية والتحريض والتخوين والإذلال والمزاج الذي يمرر حقوقاً بيد ويغتال أرواحاً بيد أخرى.
لا مستقبل لي في ظل انقطاع الأمل في أن الإنسان مهما تعايش - مجبراً - مع صنوف الإذلال اليومي التي يعيش تفاصيلها؛ يظل في نهاية الأمر مشدوداً إلى الطبيعة الحقة التي ظلت متلازمة مع حسن خلقه وتصويره:كرامته وقيمته الفعلية وجوهر معناه في هذا الوجود.
سأظل وفية لأبي قيس (حسين الأمير) ولم يفتنا احتفال بعيدي زواجنا وميلادنا، حين كان يكرر بين مناسبة وأخرى: «أعيادنا أن يعيش الآخرون كما يجب!».
تلك قيمة لا تعلمك إياها ورش دول وأنظمة، ولا تريد أن تكرسها في تفاصيل حياتك. قيمة أن تربط حياتك ووجودك وقيمتك بعدم امتهان حياة ووجود وقيمة غيرك من الخلق.
ثم إنك بعيداً عن ذلك الشعور والإحساس، وكذلك تمثله؛ لن تكون سوى صدى مثل مليارات الأصداء التي لا تترك أثراً بعد انتهائها. أثرك أن تخلق الفعل وتكرسه بحيوية وحر الموقف. وأثرك أن تكون قادراً على إشاعة الأجنحة في من أقعدهم اليأس وهول التجاوز.
لن يضجرني غياب النعم. نعمي أن أحيا مع سواي من الخلق حرة. سيضجرني غياب معناي ومعنى سواي. لن يضجرني نباح الغوغاء؛ سيضجرني غياب صوت العقل في هذا الصرع المستشري كوباء. لن يضجرني تقلب الطقس والقيامات التي تهطل علينا كالحتف؛ سيضجرني ألا أصحو وقد عاهدتُّ الله قبل أن أعاهد نفسي بأن أحيا حرة كما أرادني الله، لا كما يريد لي المزاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق