السبت، 29 نوفمبر 2008

تشريح المستقبل



حدتني نفسي ذات ضيق عن أصل كلمة المستقبل، ذلك المجهول الخفي الذي برع المحللون النفسيون في وضع الطرق المثلى للحفاظ على نقائه في أعين البشرية، وكيفية النهوض به وكأنه "كائن " نائم يجب أن يصحو ذات فزع ليجد الأمن مستتبا والنور لا يزال محيطا به كي لا يتأثر وتتأثر حياة صاحبه.
قالت لي ذات قلق: إن المستقبل كان فيما مضى يدعى (مُسْخ تَقَبَّل) ( بتشديد باء تقبل) باعتباره مسخا عن الصورة الموجودة للحظة الآنية مهما كانت هذه الصورة أجمل، ومع مرور الوقت ولكون خاء المسخ الثقيلة في النطق من الحروف الحلقية، فقد سقطت سهوا متعمدا عند قبيلة من القبائل التي كانت لا تؤمن بـ (الحلق) كون إسدال اللحى من المستحبات أو الواجبات الدينية، ولكي لا يبقى مكانها فارغا، قرر العرب أن يوصلوا المسخ بالتقبل بعد أن صار (مسا) لا يجوز التقرب منه، ومنذ تلك اللحظة لم يعد أحد يرى أو يسمع ذاك المسخ في هذه الكلمة كي لا يخاف "مستقبله".
مَسّ ؟! نعم أتذكر أني سمعت نفسي تقول عن أصل كلمة ( المستقبل) اللغز، أنها كانت (مُسَّتْ قَبْل)، فجميع من سيفكر بهذا المجهول سيصاب بـ (مَسٍّ) من جنون أو يذهب لمن يدعي أن به (مَسًّا) من جان يستبصره فيرشده لأبسط وأسهل الطرق التي تجعل من هذا المستقبل زاهرا ويحكي له ما لا يحكى أو يصدق فيمسه قلق آخر حول صحة ما قاله هذا (الممسوس)، وهذا ما حصل لتلك المرأة التي فكرت فمُسَّتْ من أكثر من جهة.
لكن نفسي رأت فيما يرى النائم: أن أصل الكلمة هو: مِس(أي آنسة بالانجليزية) تُقَبَّل (بتشديد الباء) هذا لأن جميع الآنسات قبلن أو سيقبلن ذات يوم أو هم مشروع تقبيل في مخيلة أحدهم، ولأن اللغة العربية لا تقبل الدخلاء في لغتها، حتى ولو كانت تلك الدخيلة ابنة شرعية لـ (مخترع) ما، كان لا بد وأن تترجم، فصار صعب على القائل أن يقول: آنسة تقبّل، إذ سيقوم عليه (القائمون) ويفهمون مقصده خطأ، ويتهمونه بالقول الفاضح في الأماكن العامة، لذا صارت فيما بعد (مستقبل) للتظليل.
ذهبت النفس إلى ما هو أبعد وأعقد، لكنه أكثر إقناعا، إذ أن هذه الكلمة كانت كلمة فرعونية أصلها " مش قبل" نطقها في بلاد الشام أحد الممسوسين بلثغة في النطق، فظنها السامع (مس قبل ) ومع مرور الوقت وبتتالي الأفواه وتواتر الحكايات صارت الكلمة تنطق مستقبل.
هي تأويلات استقبلتها من نفسي فتقبلوا من أنفسكم كل التأويلات الأخرى التي قد تكون أهدأ بالا وأنقى حالا، وإلى اللقاء في الـ م.. س.. ت.. ق.. ب.. ل.

الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

كيف ألد وأنا في الثانوية ؟


كانت أيام الحمل الأولى هي الأشد إيلاما وقلقا،، كيف أخبر أسرتي بموعد الولادة وأنا ما زلت في الثانوية العامة؟
هل سيحتفون بمولودي البكر بالشكل المطلوب، وهم الذين كانوا يمنعون عني حبيبي دائما خشية التقصير في الدراسة، ما اضطرني لأن ألتقيه سرا كلما سنحت لي الفرصة؟
الهي أعني على إخبارهم بما في أحشائي فقد أعلنت الساعة انتحار الوقت، ولم يبق منه إلا القليل..
ترى كيف ستستقبله أمي، تلك المرأة التي لم ترني إلا طفلة لا يجب أن تُخدَش براءتها بغزل عابر أو حتى صادق؟
وأختي الكبرى التي كنت أسرق من مكتبتها بعض الكتب لأتعلم كيف يحبل المرء بجنين يحبه وكيف يكون المخاض متعسرا في هذه السن المبكرة؟
ستكتشف سرقاتي الصغيرة كلما اكتشَفْتْ شبها في ملامح مولودي، بمولود من مواليد تلك المدارس.
يا الله.. ما الذي ارتكبته؟ ولم جعلتني أسمع كلام الأخريات، لأعلن تمردي فيندس جنين في أحشائي يغريني بكل هذه المواجع والمشاعر؟
كانت مصاريف الحمل ملقاة على كاهل أختي الكبرى دون أن تعلم، إذ كنت أستعير منها كل ما أحتاج دون أن تنتبه إلى كوني حبلى..
ولكن كيف سأتحمل مصاريف تربيته، واحتضانه وكل ما يحتاج إليه ؟
وأين سأخبئه إن لم أبح بسري لهم ؟
لا بد وأن أواجه الأمر فأنا لم أرتكب خطأ، والحمل مشروع ما دمت قد تزوجت هذا الكائن الذي ما ضرني يوما ولا أخّر دراستي، بل جعلني أتقدم وأحرز جوائز كثيرة في مختلف المجالات التي ما كنت لأدخلها لولا قربه مني.
قررت أن أخبر أختي قبل أي شخص آخر، فكانت اللحظة الحاسمة وكانت المفاجأة غير المتوقعة:
- أنا سأتحمل مصاريف ولادته وتربيته ولا أنتظر منك شيئا، هنيئا لك مولودك الأول !!
- وأمي؟ كيف ستتقبل الأمر بالسهولة التي قبلت بها أنت ؟
- لا بأس لكل شيء عقبات، هو ابنك وبالتأكيد ستفرح به حتى ولو لاحقا..
لكن أمي لم تفرح به بالشكل المطلوب، فتلبسني إحباط غير مرتب، رغم تهنئة الجميع وفرحهم لأجلي..
لم تفرح ببكري لكنها كانت أولى المهنئات بأخيه عندما وجَدَتْه يكبر وأنا أنضج معه في عالم الشعر..
كان مولودي الأول " غائب ولكن " ديواني الشعري الأول الذي أنجبته بفرح وقلق ومحبة..

الأحد، 9 نوفمبر 2008

لما قررنا فتح الموضوع





( نشرت الوطن ملفا من ست صفحات يوم السبت الموافق 08-11-2008 بعنوان غصن مشموم حول "الموت" أشرفت عليه فكانت هذه افتتاحيته)

لا أعلم كيف تحمست لهذه الفكرة ولماذا طلبت من رئيس التحرير الإشراف على هذا الملف إن أرادت هيئة التحرير المضي فيه.
كنت يومها أرتدي الأحمر، وأطوف بالزملاء في مكاتبهم لأسألهم واحدا واحدا: هل تريد المشاركة في ملـــف المــــوت؟
كان كل واحد منهم يجفل قائلا: "أعوذ بالله" أو "الشر بره وبعيد" أو "ليش متى صرتِ وكيلة أعمال عزرائيل؟ "
ربما كان الأحمر كفيلا لأن يبعد عني الاكتئاب يومها، ولكن ما إن دخلت مساحة الجد، حتى عشت ثلاثة أيام متواصلة من الاكتئاب والخوف والقلق.
وما إن استلمت المواد حتى باغتتني كثير من التعليقات المرة، المخيفة، التي لا تتناسب وشخصيتي:
- يرسل إلي أحد الزملاء مادته في رسالة مذيلة بـ : إلى مسئولة الموت! وآخر يرسلها مذيلة بـ إلى عزرائيل الوطن لمدة أسبوع!، فيما أثلجت صدري رسالة أحدهم : إلى سوسنة لأتاكد أنني ما زلت سوسنا.
- كلما تحدثت مع الشرقاوي في مكتبه بشأن ما وصلني من مواد أجد إحدى الزميلات تغادر المكتب خوفا من هذه السيرة أو خشية أن يخرج ذاك الجني الصغير الذي طالما ترقبته..
- " لا بد أن أشارك في ملف الموت قبل أن يدرك الموت وقتي " تقول لي إحدى الزميلات، بعد أن علمت بالموضوع في الوقت الميت.
- قرأت صباح الموسيقى التي أرسلها إلي أحد الأصدقاء: صباح الموت قبل أن أكمل الكلمة لأنها بدأت بميم وواو !
- أذهب إلى " السكنر" وأنا خجلة من ردة فعله من ذاك الملف الملغم بصور قد تخرجه من مبنى الصحيفة ناقما علي وأنا أطلب منه تعديل الصور ووضعها في ملف مستقل شرط ألا يكون بعنوان الموت، حسب وصية سلمان طربوش الذي كانت عليه مهمة التنفيذ.
عشت مع كثير من الموتى في أرشيف " الوطن "، أسر إليهم ما أكتشف من أسرار ويسرون إلي ببعض تجاربهم.
ما جعلني أطمئن قليلا بعد رؤيتي الأولى لقبر مفتوح في إحدى الصور، هو " سخان الماء " الموجود في المغتسل في صورة وقفت عندها طويلا، لن أشعر بالبرد إذ سيغسلونني بماء دافئ لو مت في الشتاء!
كنت أبحث عن اسم يبعث على التفاؤل فكان غيث طربوش أجمل الجرائر..
نعم ما رأيكِ بغصن مشموم، بعد أن قلتُ بين السطور غصة مشموم، فتمسكت بتلك الرائحة وانطلقنا في هذه التسمية..
ما لم أكتبه هو ما حدث أثناء التنفيذ إذ كتبت هذه الأحداث قبل التنفيذ وفي قلبي قلق مما سيكون هناك في الأسفل بعد قليل / وعذرا لمن فهم خطأ: أقصد بالأسفل غرفة الإخراج لا القبر!

وأخيرا ها هو مهرجان الموسيقى


بعد انتظار زاد عن الشهر، هطل غيث مهرجان البحرين الدولي للموسيقى السابع عشر، ليفتتح بصوت أنيق يحتضن العالم في حنجرته، وفنه الأصيل الراقي الذي ناغى ألحان فرقة البحرين للموسيقى، صوت نجميّ لا يصل إلا من أعلى الأبراج الفنية، لنكون الرابح الأكبر بهذا الصوت الذي اختير في الوقت الضائع حسبما علمت، افتتاح جميل نفذ وسط حضور قوي وجمهور واسع فرح بجمالية الألحان برغم الإفصاح "الهادئ" عن برنامجه في وسائل الإعلام والإعلان، وسقوط المؤتمر الصحافي من "الرزنامة" الذي تم تأجيله في الوقت الضائع مسبقا، بسبب كون توقيته يتضارب ومحاضرة يقيمها قطاع الثقافة والتراث في ذات المكان والوقت، لتتساءل من الذي أعلن ومن الذي ألغى وكيف ؟!
كان من المفترض أن يقام هذا المهرجان في يوم الموسيقى العالمي في مطلع أكتوبر من كل عام، وتم تأجيله هذا العام ( كالعامين السابقين ) دون ذكر أسباب ذلك التأجيل وكأنه مجرد مهرجان شأنه شأن أي برنامج ثقافي يقام بشكل عابر، لا علاقة له بهذه المناسبة التي زينها طوال دوراته الأربعة عشر.
مهرجان أوحد ينتظره المهتمون بالموسيقى كل عام، ليستمعوا إلى الموسيقى المحضة، من قامات لا يتكرر وجودها في البحرين، ما لم يتلقفها مهرجان ربيع الثقافة الذي بدا مهتما بالموسيقى بالشكل الأكبر، يأتي لتجد ضخامته تتقلص كل عام عن سابقيه، وكأن القطاع لا يضم مسئولين موسيقيين بين جدرانه، من شأنهم أن يختاروا أسماء لا تسقط إلا واقفة في برنامجه، تتقلص ضخامته بتقلص أهمية الأسماء المشاركة، وتقلص براعة التنظيم والإعلان، وزيادة تشعبه ليشمل التراث والأغنية والموسيقى و.. و.. و، علما بأن لكل من هذه الأصناف الفنية مهرجان خاص، يمكن إعادة بلورته وصقله ليحال مهرجانا أضخم مما هو عليه، يستوعب هذه الأنواع من الفن بشكل أكثر تخصصا.
خلال منتصف عمره كان المهرجان قويا صادما، ضم كثيرا من الأسماء المهمة في الساحة الموسيقية العربية والعالمية؛ كالموسيقي نصير شمة، مارسيل خليفة، حسين الأعظمي، وغيرهم من الأنامل الفذة، ناهيك عن الفرق الموسيقية المهمة كأوركسترا الاتحاد الأوربي لموسيقى الحجرة، ذاك لأن تنظيمه أوكل لأهل الاختصاص، بدءا باختيار الأسماء نهاية بالمؤتمر الصحافي المسئول عن التعريف به وإعلان برنامجه للجمهور، ولكنه بدأ بالانحدار في المستوى خلال الدورات القليلة السابقة فلم تعد هناك الأسماء اللامعة أو الفرق الموسيقية المغرية إلا القليل غير الكافي.
ما يحسب لصالح مهرجان هذا العام هو المشاركة البحرينية الواسعة فيه وتكريم ثلاثة من رواد الموسيقى، إضافة لما عمل به في المهرجانات السابقة من ورش العمل المخصصة للأطفال والموسيقيين والبرنامج الصباحي الخاص بالأطفال.
أما آن الأوان لكي يهتم قطاع الثقافة بهذا المهرجان واسع الجمهور بشكل أكبر خصوصا وأنه وجهة يؤمها المهتمون من دول الخليج المجاورة.