الخميس، 28 أبريل 2011

درس المنفى




تبدأ الجغرافية بالهذيان حين يُختطف التاريخ، وهذا الاختطاف يحدث أحياناً بتجييره في مسارات فئوية، بعيداً عن المسار الجمْعي، حيث التقاط الدرس والعبرة، ويحدث أحياناً بالتعتيم عليه بانتخاب جزء وإخراجه إلى الضوء، وإقصاء جزء آخر وإدخاله في النسيان. لحظتها تكون الجغرافية عرضة للاهتزاز والهذيان والتناحر ببشرها وما أنجزوه.

الجغرافية لا تهذي ما دام البشر يتعاملون مع تاريخهم بحيادية بالغة، لحظتها يمكن للبشر التعامل مع المستقبل بثقة وبلاغة ملفتتين.

***

من المفترض أن الإنسان – أي إنسان – كائن مستقبلي، إلا عندنا، فهو كائن تاريخي، ففيما الإنسان يتقدم بالحياة ودرسها، تراه عندنا يتأخر وإن تعددت الدروس!

كيف لكائن كهذا أن يكون في عمق الحياة، فيما الموت صفته ومعناه؟

***

الكتابة العربية – إلا ما ندر – امتحان للعالم من حولها، وهي أحياناً امتحان للغة، وأحياناً ثالثة امتحان فردي، فيما المفترض أن تكون درساً خلاصته السؤال.

الكتابة التي تقدِّم الأجوبة تعيش يقينها "وهماً"، فيما وهمها "يقين"، لأن الوهم طريق مفتوحة على الاحتمال ومحاولته، فيما اليقين مطاف أخير لا شيء قبله أو بعده.

***

الكلمات: حقول. النص: ثمر؛ لكن متى كانت الكلمات – عربياً – حقولاً مثمرة سوى باليباس والملح؟

****

لماذا يتمتع الأصوليون باتساع في النظر حين الحديث عن صدام الحضارات؟ فيما الصدام قائم بين المذاهب والإثنيات في البلد الواحد، وبشكل أكثر شراسة حال حدوثه في الصدام الأول. ألا يدل ذلك على تعامٍ مدبَّر ومقصود لبلوغ الصدام ذروته واستواءه؟

***

السياسة العربية اليوم – وربما غداً – ستظل قادرة على إنتاج خبراء في إشعال "الحرائق"، أكثر من قدرتها على إنتاج خبراء في إنتاج "الحدائق".

السياسة العربية اليوم، مشاريع مفتوحة على كل آيل للسقوط، وقدرتها على الترميم تكاد تشبه قدرة معوق على التنافس في ألعاب أولمبية لمسافة 5000 متر في يوم عاصف.

***

جُلْ ببصرك. ثمة تكريس لثقافة الإخصاء، بدءا بالبشر، وليس انتهاء بالذوق.

الحديث عن إخصاء الحريات في هذا الصدد، ضرب من "تمطيط" الكلام، والحديث عن إخصاء حال من الانبعاث والمبادرات الخلاقة، ضرب من الغناء والرقص في مأتم!

والحديث عن مصادرة الأسئلة يطول الحقوق،ولا تنجو منه نشرة الأخبار الجوية!!

***

الإنسان يضع الخرائط، ثم يتيه في الخرائط نفسها. لكأنه يرى وجهه في المرآة، ثم لا يلبث أن ينسى جانباً من ملامح ذلك الوجه.

كلما امتدت واتسعت الجغرافية، كلما امتحنت ذاكرة صاحبها، ليس لأن الذاكرة من دون امتداد، وليس لأنها تعاني من ضيق في النَفَس، بل لأنها تضع الألغام وتنسى مواقعها.

لكأن الخرائط في عالم متوتر... محتقن... مُسْتَفز، ضرب من مشاريع حقول ألغام!

بل هي كذلك.

***

المنفى جسد آخر، ليس بالضرورة أن يكون من دون روح.

الوطن منفى آخر ليس بالضرورة أن يكون بروح!

***

ترحل بمنفاك: تقيم في خلاص روحك.

تركن إلى وطن يتنكر للجمالي والإنساني فيك: تقيم في قبح وعنف منفاك!

***

أول درس المنفى: انتصارك عليه. وانتصارك عليه يهيئ لك وطناً.

انهزامك أمامه، بمثابة فقْديْن: وطنك وانتصارك!