الأحد، 28 سبتمبر 2008

أسرج اللوحة وأشعل الأحرف ورحل

في استدارة وجهه طفولة باذخة، تنبئ عن حس تمثل فنا تشكيليا باهرا..
نظرته الثاقبة المتأنية تأخذك نحو بعيد قادم بالأفضل والأجمل.
هو في النصف الآخر من الحي يرسم على الجدران قصصه ولوحاته، يحيل البياض أجسادا ورصاصا، رمادا ونارا، لحنا غجريا صاخبا وموسيقى..
في خطوطه شيء من الأمل، من الحرية وأشياء من الأصالة التي لم تبعدها ليالي باريس عنه..
الفنان الذي لم ينس هويته العربية، ولم ينسل من تاريخ أو أرض احتضنته فأهداها قلبه..
هارب نحو الخيل الذي تمثله فأبدع تجسيدا، وأغمض جفنيه حالما..
بقر البياض واستبدله برصاص استهدف ركود الفن العربي، فأثرى مكتبته الفنية بجميل لوحات حكت ما عجزت الألسن عن قوله..
لم تكن كل تلك السنين واللوحات وكل تلك الكلمات التي سطرها حول الفن والخيل والإبداع، سوى جزء من مشوار أراده زاخرا فكان عظيما..
بعدسته اخترق الألوان وبرصاصه اخترقته الخطوط، فكتب مناهج لتدريس التصوير الضوئي وكتبا كانت رسلا لمحبي الفن..
جاء محملا بروح أوروبية، أسرجت لجامها روحه العربية فأبدع مزيجا من التجديد والأصالة لم تستوعبه كل تلك البياضات التي من حوله، فنهض باحثا عن قلم يسطر به خواطره..
أصابعه الرشيقة بحركاتها الناطقة تحكي ما لم يقله بين السطور في حديثه معك، وفي حديثه واللوحة.
هو الذي خلق خيولا لم تكن لتستكين لغيره، فأحكم لجامها، وأسرجها نحو المميز المذهل.
صنع قوارب لم تتضرع أخشابها إلا إليه لتبحر في لوحاته ذاهبة نحو مجهول كان يعيه تماما.
كان محمود الخلق، واثق الخطى، لم يتعثر إلا بمرضه..
هو أحمد باقر الفنان الذي لم يمهله الموت ليحتفي بآخر تكريم له وليشهد معارضه القادمة التي ستكون فيها خيوله دون حوذيها وستصهل فيها أحلامه دون عينيه الباردتين
.