( نشرت الوطن ملفا من ست صفحات يوم السبت الموافق 08-11-2008 بعنوان غصن مشموم حول "الموت" أشرفت عليه فكانت هذه افتتاحيته)
لا أعلم كيف تحمست لهذه الفكرة ولماذا طلبت من رئيس التحرير الإشراف على هذا الملف إن أرادت هيئة التحرير المضي فيه.
كنت يومها أرتدي الأحمر، وأطوف بالزملاء في مكاتبهم لأسألهم واحدا واحدا: هل تريد المشاركة في ملـــف المــــوت؟
كان كل واحد منهم يجفل قائلا: "أعوذ بالله" أو "الشر بره وبعيد" أو "ليش متى صرتِ وكيلة أعمال عزرائيل؟ "
ربما كان الأحمر كفيلا لأن يبعد عني الاكتئاب يومها، ولكن ما إن دخلت مساحة الجد، حتى عشت ثلاثة أيام متواصلة من الاكتئاب والخوف والقلق.
وما إن استلمت المواد حتى باغتتني كثير من التعليقات المرة، المخيفة، التي لا تتناسب وشخصيتي:
- يرسل إلي أحد الزملاء مادته في رسالة مذيلة بـ : إلى مسئولة الموت! وآخر يرسلها مذيلة بـ إلى عزرائيل الوطن لمدة أسبوع!، فيما أثلجت صدري رسالة أحدهم : إلى سوسنة لأتاكد أنني ما زلت سوسنا.
- كلما تحدثت مع الشرقاوي في مكتبه بشأن ما وصلني من مواد أجد إحدى الزميلات تغادر المكتب خوفا من هذه السيرة أو خشية أن يخرج ذاك الجني الصغير الذي طالما ترقبته..
- " لا بد أن أشارك في ملف الموت قبل أن يدرك الموت وقتي " تقول لي إحدى الزميلات، بعد أن علمت بالموضوع في الوقت الميت.
- قرأت صباح الموسيقى التي أرسلها إلي أحد الأصدقاء: صباح الموت قبل أن أكمل الكلمة لأنها بدأت بميم وواو !
- أذهب إلى " السكنر" وأنا خجلة من ردة فعله من ذاك الملف الملغم بصور قد تخرجه من مبنى الصحيفة ناقما علي وأنا أطلب منه تعديل الصور ووضعها في ملف مستقل شرط ألا يكون بعنوان الموت، حسب وصية سلمان طربوش الذي كانت عليه مهمة التنفيذ.
عشت مع كثير من الموتى في أرشيف " الوطن "، أسر إليهم ما أكتشف من أسرار ويسرون إلي ببعض تجاربهم.
ما جعلني أطمئن قليلا بعد رؤيتي الأولى لقبر مفتوح في إحدى الصور، هو " سخان الماء " الموجود في المغتسل في صورة وقفت عندها طويلا، لن أشعر بالبرد إذ سيغسلونني بماء دافئ لو مت في الشتاء!
كنت أبحث عن اسم يبعث على التفاؤل فكان غيث طربوش أجمل الجرائر..
نعم ما رأيكِ بغصن مشموم، بعد أن قلتُ بين السطور غصة مشموم، فتمسكت بتلك الرائحة وانطلقنا في هذه التسمية..
ما لم أكتبه هو ما حدث أثناء التنفيذ إذ كتبت هذه الأحداث قبل التنفيذ وفي قلبي قلق مما سيكون هناك في الأسفل بعد قليل / وعذرا لمن فهم خطأ: أقصد بالأسفل غرفة الإخراج لا القبر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق