العين التي تراقبك بشر. العين التي ترصدك وهي مدفوعة دفعا. العين التي ترصدك وقد استنفذت ماءها، لن تكون منصفة؛ ثم إن ذلك ليس في قاموسها، لن تكون حريصة عليك، بدليل انتهاك حرمتك.
انتهاك خصوصيتك، وانتهاك حقك في الحركة والكلام والفعل والانفعال؛ ما دام لا يشكل تهديدا، ولا يتجاوز النظم، ولا يخرج على القيم المعهودة. ذلك ما يجعلها خارج دائرة الطبيعة والبراءة.
العين التي تتلصص عليك تظل فارغة لا ماء ولا ضوء فيها. إنها تبحث عن عمى إضافي؛ بل هي تمارس العمى بهكذا فعل أخرق وخارج على كل قيمة. ثم إن العين التي تتلصص عليك ليست عينا، إنها عمى وحفرة من حفر هامشيتها وقلة حيلتها وعدم ثقتها واهتزاز قناعاتها، التي ليس بالضرورة أن تكون معنيا بها.
بات للرقابة فقه اليوم، يمكن تسميته بفقه التجاوز. ليس فضولا ما يصدر عنها. الفضول ليس بالضرورة أن يضمر لك أذى.
الرقابة التي تحكم دولنا، لا وقت لديها لممارسة الفضول؛ ثم إنه بممارستها اليوم تتجاوز الفضول إلى الأذى في الحياة العامة للفرد والأمة.
اصطلاح فقه التجاوز/الرقابة، لا يعني على الإطلاق الإشارة إلى ضوابط في الأمر، وخصوصا الأخلاقية منها. تلك خارج الحسبة، وخارج الهم والاهتمام.
والضوابط في حقيقتها - ضمن هكذا فقه - تجاوز للحقوق وقفز على القيم وانتزاع سافر لمساحة أي مخلوق، لا حق فيه. ليس فقها هو بقدر ما هو سياسات تجاوز وذهاب في تأويل لا يعلم رأسه من أطرافه. وحين تبدأ تلك الممارسة وتمعن في غيها وتجاوزها، تبرز مؤشرات تأويلات لها أول وليس لها آخر.
والكتابة هنا لا تذهب إلى الذين يتم دفعهم ونثرهم لإحصاء أنفاس الناس وانفعالاتهم وعواطفهم وآمالهم ويأسهم وحريتهم الخاصة وكبتهم بفعل سياسات لا تفهم غير التأجيل؛ بل تذهب إلى الذين أوكل إليهم التلصص على المعنى والتلصص على الفكرة والتلصص على الرؤية والتلصص على الطروحات، من حيث جنوحها الشاذ والكريه والمفتعل؛ تأليبا عليها وتحريضا على حضورها ووجودها، بالذهاب إلى تأويلات لا تفجع النص وتضربه في مقتل بسوء قراءته وفهمه واستيعابه وإدراك قيمته ومعانيه؛ بل بالأحكام المسبقة والجاهزة والمبتسرة والكيدية التي تدخله في مساحات من الحظر والحجز والمصادرة والنفي.
رقابة كتلك. عين كتلك تجلدك بتأويلها المزاجي المسبق. عين كتلك لن ترأف بك، ولن تنظر إلى نصك باعتباره قيمة بقدر اعتبار تهديدا لقيمتها وحضورها وهيمنتها، ومصدر خطر من الأولويات الحيلولة دون امتداده وبروزه وظهوره وإشهاره. ذلك أقل ولاء ترى تلك العين تقديمه من أجل إثبات حرصها وتفانيها ووعيها وحساسية "الفلتر" الذي الذي تحت هيمنتها، حين تمرر تلك النصوص/النوايا إلى سلطتها وتقييمها.
بدأت هذه الكتابة بفقه وسياسة ونوازع ونوايا ورصد العين وإحصائها لأنفاس الناس وانفعالاتهم وعواطفهم وآمالهم ويأسهم وحريتهم الخاصة عموما، وذلك ما تقوم عليه الدول التي بينها وبين مكوناتها حاجز لا يمكن كسره واختراقه في ظل تأبيد واستمراء السياسات نفسها؛ لأنها ليست على استعداد لذلك، ويحدث في الدول ناقصة الاهلية في التعامل مع شعوبها بالأساليب والصور والنظرة التي لا تقرها الشرائع السماوية والأرضية.
وحين أذهب في الاستدراك، ذلك أمر شائع وبات من بدهيات التعامل لدى كثير من المنظومات من حولنا اليوم؛ لكن الخطورة تكمن في فقه وعين تبذل كل طاقاتها من أجل الحيلولة دون وصول ما يثري الأمة والجماهير في وعيها وإدراكها وتصاعد فهمها لما يدور من حولها. عين تحاول إطفاء كل نور ومصادرة كل إضاءة، وهي بذلك لا تطفئ ضوءا بقدر ما تدل عليه، وتدفع الناس دفعا للبحث عنه وأحيانا الموت دونه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق