مثلما تعود الروح إلى بعض القيم والممارسات المضيئة والحقوق، في الربيع الذي تعيشه شعوب وأمم الأرض، ومن بينهم العرب - وإن تأخر ربيعهم طويلاً - تسترد الكتابة - النص عموماً - روحها وقيمتها وعمقها، من خلال فك الارتباط مع الخوف والملاحقة وهيمنة الرقيب على كل شبر من الحياة التي تتحرك فيها تلك الكتابة والنص عموماً.
قد تظهر أشكال، أو مزيج من أشكال جديدة في تلك الكتابة؛ لكن المهم، أن الكتابة والنص بعد الربيع العربي بالتأكيد لن يكون كما هو فترة الخريف والقحط الطويل الذي خنق الحياة العامة لكل الشرائح، وشعرت بضغطه شرائح الكتاب والمثقفين خصوصاً، بالنظر إلى طبيعة الدور الذي يقوم به أولئك، باعتبارهم إحدى علامات ومؤشرات الوعي وتوجيهه والتأثير عليه.
في الأزمات والاحتقانات وخنق الأفق العام الذي يطال المساحة التي يمكن للنص الابداعي التحرك فيها؛ لا يعدم الكاتب والمثقف عموماً طرق وحيل تجاوز كل ذلك، عبر لعبه باللغة ومجازاتها، وبمكر خلاق يجيده يستطيع تمرير ما يريد تمريره من قيم ومعاني وثيمات؛ لكنها تظل عصية في كثير من الأحيان على عدد كبير ممن تتوجه إليهم تلك الكتابة، قبل أن تكون عصية على فك شفرتها من قبل الذين يديرون ويولدون تلك الأزمات والاحتقانات والقمع؛ فضلاً عن الرقيب الذي توكل إليه مهمة مراقبة الحس! وتلك وظيفته التي كثيراً ما يفشل فيها لأنه في أغلب استجواباته للنصوص يكون من دون حس للقيمة والمعنى والثيمة التي يراد تمريرها، مهما تغوَّل في توهم المعرفة وإلمامه بما بعد النص.
الأفق النادر الذي تحرك فيه النص الابداعي العربي طوال عقود من منهجة المصادرة للحقوق، وإخضاعها للرقابة الشاملة، وخنق الأفق الابداعي خصوصاً؛ علاوة على جيش وكتائب من مثقفي ومفكري السلطة المهجَّنين، الذين يزيِّنون لها كل الخروقات والمساوئ، وضع النتاج الابداعي العربي في آخر ركب الاهتمام به في الحضور على مستوى قدرته على التماهي مع بقية النتاجات الإبداعية العالمية.
لم تتح أوضاع الرصد المستمر للمثقفين وما يصدر عنهم من نتاجات إبداعية أي تراكم أو تأثير ذي أهمية في الوعي الذي تنتج عنه هبة لتخليص واقعه - واقع الوعي - من ممارسة الاحتواء والرصد المستمرين عليه؛ ناهيك عن آلة القمع وتراتبياتها التي عززت تراجع فرص تحقق النتائج التي يمكن لذلك الوعي أن يخرج بها على واقعه المأزوم.
لا شك أن الالتفاف على الربيع العربي سيكون حاضراً في صور وأشكال شتى وتحت مسميات متعددة ومبررة بالقانون أو الأمر الواقع أو مقتضيات المرحلة، وهو التفاف ستتصدى له بقايا وأذناب الذين هيمنوا على الخريف والجحيم العربي وفرضوه أمراً واقعاً لعقود على شعوبهم.
ذلك أمر لا يمكن تجاهله؛ وبقدر الوعي بخطورة بقاء الأذناب، يمكن للحياة العامة في الربيع الوليد أن تسترد هواءها الأصيل ونظرها الحقيقي ووعيها المتراكم من دون خوف أو وجل؛ ما ينعكس بصورة أو أخرى على النص الإبداعي الذي فقد كثيراً من عمقه وقيمته وقدرته على التأثير وسحر توجيهه ورهانه على التغيير.
المهم في الأمر، أن يستطيع الربيع العربي الحفاظ على إنجازه، وحراسته ومده بكل مقومات استمراره وذهابه بعيداً ليمتد إلى مجمل الحياة العامة للمواطن، والتعامل مع مراحل التصحيح بروح يسودها القانون غير المتلاعب به، وغير الخاضع لتفسيرات المصالح والأهواء. حين يتحقق ذلك في بيئة تتنفس حرية والحقوق، وتعي ما لها وما عليها؛ سيكون النص الإبداعي متصدِّراً المشهد بتوغله بما أتيح له من فضاء جديد حر أوسع وأرحب، وسيكون قادراً على كشف كل كمين يريد الايقاع بالربيع في شرك أكثر من خريف وأكثر من جحيم. سيكون نصاً صانعاً للحياة ومدلاً عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق