الاثنين، 16 أغسطس 2010

طالبتان على طريق الإنجاز الشعري..

منى وسوسن والومضات التي تفتتح عالم الإبداع.



النشرة الإخبارية لجامعة البحرين / ص 58 / العدد 78
أغسطس 1999


لا تتنزل هذه الإطلالة عند الحدود التي تسمح لنا بإطلاق أحكام حول هذه التجربة المبكرة، ففرادة التجربة وجرأتها في اقتحام علم النشر في هذه السن المبكرة تدل على إصرار شبه مفقود في الوسط الثقافي، لذلك كان كتاب ( غائب ولكن.. لسوسن دهنيم، وعندما كنت صامتا.. لمنى الصفار ) بمثابة المفاجأة السارة المقدمة من طالبتين بجامعة البحرين، لازالتا في المرحلة الأولى من حياتهما الجامعية.
إن جرأة النشر لا بد من التعامل معها بآلية حذرة لأن التجربة لا زلات في بدايتها الندية الطرية، بالإضافة لوجود إلتماعات نلمحها تطل متهادية بين الفينة والأخرى في بناء الصورة، وفي حلاوة التركيب وفي تشخيص الحالة والتعبير عنها.
الديوان الذي نقدم له هذه القراءة تسيطر عليه بالكامل تلك النغمة التي تشي بالحزن والفقد بتنويعات مختلفة وبصخب إيقاعي متذبذب يأتي أحيانا بسيطا على كل المستويات التركيبية والبنيوية، وفي بعض المواضع تأخذ المسألة بعداً أكبر وأعقد بالضرورة. وفي كل الحالات نحن إزاء لوحة وضربات لونية لا تشكل بمجموعها عملاً مكتملا، بقدر ما تمثل فاتحة لدخول عوالم الشعر بهواجسه الكبيرة، وبمستلزماته المعقدة الكثيرة، وبصبر حتى تقوى المخيلة ويزداد القبض على اللغة لضمان الثراء.
وليس من باب المفارقة العلم أن دهنيم والصفار قد فازتا بمسابقة القصة القصيرة التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم وهي على مستوى المدارس الثانوية في العام الذي سبق التحاقهما بالجامعة، والمفاجأة الأخرى في هذا الكتاب الذي يأخذ شكل الشعر وسمته الابتعاد البين عن متطلبات السرد والوصف الخارجي والتدقيق فيه أحيانا على بعض التفاصيل للدخول مباشرة لإثبات ما يعتمل في الذات ووصف حالاتها أمام تشتت كبير تعاني منه بدءا من كلمات الإهداء وصولا إلى المحتوى نفسه وحالة السواد التي تغطي بالكامل تقريبا غلاف الكتاب بوجهيه، وصورة الكمان غير المكتملة التي تبث عذب الألحان لكنها في سياق الغلاف تحتل مساحة ولا تمنحنا أنغاما من ناحية دلالية. إن تعطل الآلة لا يعني على الإطلاق توقف الأنامل عن مداعبة الأحزان الهائلة التي تطفر من بين السطور تاركة مسحة لوعة لطيف مضى أو توارى في مكان بعيد غير منظور.
وليس في التجربة عموما ما يجعلنا نضع حدا فاصلا بثقة كبيرة، رغم وجوده فعلا بين أجواء وأحلام كل من دهنيم والصفار، وكل التفاصيل المفتقدة عند سوسن نجد خيوطها بارزة في كتابة منى، لكن للوهلة الأولى يبدو أن دهنيم قد كانت أكثر قدرة في وصف الحالة والتعبير عنها، أي حالة الغياب ذات التردد الكثيف وفي اقتناص الألفاظ المؤكدة للحالة الشعورية والموحية بمدى الخسارة وفداحة الألم في مناجاة الغائب، وإطلاق الألحان في توسل عودته.
وليس المقصود من ذلك وجود الفروقات الحاسمة، بقدر ما تأخذ العملية منحى الترجيح لومضات جميلة لا تتسربل بروح المباشرة التي تعطل آلية البحث بين السطور أو ما تخفيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق