الاثنين، 16 أغسطس 2010

سوسن دهنيم: لست على خلاف مع «الأسرة» لكنها لم تعد تطرح شيئاً مغرياً






لايعنيني اسم النص الذي أكتب.. يكفيني اعتراف شعراء كبار وإعجاب زوار «لوديف» وقاماتها

الوقت - حسين مرهون:

ليست ألفينية تماماً. ذلك أن أول أعمالها صدر في أواخر التسعينات، وكان تحت اسم ''غائب ولكن''. لكن مع ذلك، حين راح التسعينيون قبل أعوام قليلة يرسمون مسودة تصنيف إجرائي للأسماء التي يمكن إدراجها فعلاً ضمن تجارب هذا الجيل، أهملوا اسمها تماماً. (سوسن دهنيم). وعلى أي حال، فالقضية لاتمثل أولوية بالنسبة إليها. قالت ''إذا كان محمود درويش يقول جدي أبو الطيب المتنبي فعن أي تصنيف جيلي نتحدث''. أثارت مشاركتها في مهرجان ''لوديف'' بفرنسا العام 2007 كثيراً من الأسئلة. قرأت ما نشره محرر ''الوقت'' على لسان نائب رئيس أسرة الأدباء والكتاب فهد حسين في حينه. ولدى سؤالها علقت معترضة ''ليس صحيحاً ما قيل عن أن الدعوة أتت من طريق الأسرة''. أغلقت قوساً وفتحت آخر. فكان آخر دواوينها ''كان عرشه على الماء'' الذي أصدرته مطلع العام الجاري .2008 ''الوقت'' حاورتها، وفيما يلي مقتطفات:

 تبدو علاقتك مع أسرة الأدباء والكتاب ''ملتبسة'' على أكثر من مستوى. من احتضان فانسجام إلى فتور أشبه بالقطيعة. ما الذي يحدث؟

- علاقتي بالأسرة تمر شأنها شأن أية علاقة بعدد من الظروف، بالمد وبالجزر، لا لشيء سوى ظروف الحياة. كنت منسجمة مع أعضاء الأسرة ومازلت، ولكن المشكلة أنني الآن مقلة في حضوري في كل المحافل الثقافية والتجمعات الأدبية والفنية بسبب ظروف العمل والأسرة.

 أنت عضوة ''خاملة'' في أسرة الأدباء والكتاب. بحكم التجربة، لو طلبت منك تحديد ثلاثة عوامل تجعل من الأسرة كياناً هرماً غير قادر على التأثير في المشهد الثقافي بمستوىً يلائم موقعها وتاريخها. فماذا ستقولين؟

- لِمَ تفرض مسبقا أنني لست على وفاق مع الأسرة؟ ولِمَ تفرض أنني أرى أن الأسرة كيان هرم ؟ كل ما هنالك أنني لا أرى أنها تقدم شيئا مغريا يستدعي الحضور الدائم في كل برامجها الثقافية، ولا أرى أن الجلسات غير الرسمية مع الأصدقاء هناك شيء واجب؛ إذ بإمكاني رؤية أي صديق من أعضائها خارج جدرانها ومناقشته في شتى الأمور والموضوعات، وهذا ما يحدث في الوقت الحالي وما الأسرة في النهاية إلا هذه الأسماء، الخلاف الموجود بيننا هو خلاف آني بشأن الأسماء المشاركة من الخارج والداخل في مهرجانات يوم الشعر العالمي - وهنا لا أعني مشاركتي أو عدمها- وهذا الخلاف الآني سببه مستوى الأسماء وتكرارها، وهو يتكرر كل عام إذ أنشر رأيي علانية في الصحافة ورغم ذلك أحضر بعض الأمسيات لبعض الشعراء الذين أجد في شعرهم ما يعجبني، ولم يوجه لي أحد من الإدارة عتابا بشأن ما أكتب، بل على العكس كانوا يسمعون رأيي بل ويوافقني بعضهم الرأي لكنه يفضل الصمت.

فهد حسين لم يقل الصحّ

 أسمع قيلاً وقالاً متكرراً منذ مشاركتك في مهرجان ''لوديف'' بفرنسا .2007 هل يمكن أن تدلي بشهادة أخيرة في الموضوع نغلق بعدها هذا الباب؟

- الجميل في مهرجان لوديف أنني دعيت على حين غرة من قبل إدارة المهرجان نفسه لا من قبل جهة بحرينية رشحت اسمي له، أو بترشيح من الأسرة كما كتبت أنت على لسان الزميل فهد حسين في أحد أخبارك المنشورة في ''الوقت''، والأجمل أنني شاركت في الاحتفال بمرور 10 أعوام على المهرجان وبتبني اليونسكو له باعتباره مهرجانا عالميا مميزا، مع نخبة من ألمع الشعراء العرب والأجانب، رأيت هناك الشعراء الذين كنت أقرأهم مذ تفتحت عيناي على الشعر الحديث أمثال: سركون بولص يرحمه الله، محمد بنيس، عباس بيضون، خيري منصور، نزيه أبوعفش، سعدي يوسف ووديع سعادة وغيرهم ممن اكتشفت شعريتهم الرائعة هناك كالجزائري أبوبكر زمال والعماني زاهر الغافري، وكنا خلال عشرة أيام نتسكع على النهر بين الخيام المعدة كمطاعم والأخرى المعدة لاستقبال الشعر، نجوب بقاع المدينة القديمة لنتعرف على معالمها الجميلة التي كان لها الأثر الكبير على تجاربنا في التعرف على بعضنا البعض، نغني، نلقي أشعارنا فنؤجل بعض الحفلات عن مواعيدها بسبب أصواتنا العالية التي تجعل البعض يتحلق حولنا، هؤلاء الشعراء العرب والأجانب الذين نحدثهم تارة بالإنجليزية وتارة يحدثوننا بلغاتهم كما حدث مع ''فينس فبري'' الشاعر والمغني المالطي الذي فاجأنا بالتقارب الكبير بين لغتنا العربية ولغتهم المالطية، جعلوا من هذا المهرجان أكثر من رائع، وقد تعرفت على عدد من الأجواء التي كنت أجهلها، فأن ألقي شعرا على النهر وأرى الجمهور جالسا على الكراسي الموضوعة وسط ذلك النهر وأرجله في مياهه، كان مفاجأة بالنسبة لي، أو أن أذهب للاستماع لفينس على سبيل المثال في أحد البيوت القديمة المبنية على الطراز العربي تقريبا لهي الدهشة الأكبر إذ عرفت أن الشعب يتخلى عن منازله ويجعلها قاعات لإنشاد الشعر أو سكنا لهؤلاء الشعراء الأغراب الذين أتوا ليتحفوا مديتنا بالشعر، أن أمشي وأرى بعض الفرنسيات يوقفنني من أجل الحديث معي عما سمعوه من شعر أعجبهم مني، وبواسطة أحد الأصدقاء الذي يترجم لي الفرنسية تارة أو بواسطة ما تعرفه بعضهن من الانجليزية تارة أشعر بالفخر كوني استطعت أن أبرز من خلال مهرجان فيه كثير من القامات الشعرية الكبرى من خلال حديث نسوة أو رجال لا أعرفهم يوقفونني ليهنئونني على ما قدمت من شعر، ولا أقول هذا نرجسية أو استعراضا للعضلات، لكنها متعة التواصل التي شعرت بها حقيقة، فأنت تكتب ليقرأك الآخرون، الكتابة هي الشفرة التي تلامس الحس الإنساني على اختلاف منابته وبيئاته، في لوديف شعرت أحايين كثيرة أن الشفرة التي تعزف على وتر المشترك البشري أكثر ولوجا إلى القلب واستقرارا في العقل. كل هذا إضافة للجلسات النقاشية التي كنا نقيمها عفويا مع بعضنا نحن من اخترنا البقاء معا من بعض الشعراء العرب والشعراء: المالطي، الإيراني، أحد الفرنسيين والايطالي، نتحدث عن الشعر والعادات في كل بلدة هذا الأفق الواسع جعلني أخشى على نفسي من التقاعس والمراوحة في مكاني شعريا فوجدت نفسي بعد الرحلة أشد نقدا لما أكتب وأكثر اهتماما بالأدوات وبالمشترك الذي تحدثت عنه، ليس بغية إنتاج شعر يلقى أذنا، بقدر ما هو تورط في هم الوصول إلى ذات أجمل، صرت أنتبه أكثر إلى ضبط اللغة أمام المخاض اليومي الذي تعيشه الذات الإنسانية.

كل الدعوات أتت «دايريكت» عدا واحدة

 أسمع أيضاً عن تحفظات لديك بخصوص نظام توزيع دعوات التمثيل الخارجي في الأسرة. هل أفهم من ذلك أن قضيتك ليست أكثر من دعوات تمثيل وتذاكر سفر وقسمة كعكة؟

- تنتابني رغبة بالضحك عندما أسمع سؤالك عن الدعوات والكعك، بالمناسبة أنا أفضل الكعكة التي أصنعها بيدي على تلك التي اشتريها من السوق.
أرى أن التعامل مع الشعر والشغل في الثقافة دائرة أوسع بكثير من الحصص والتفكير في توزيع الكيك، لكن أجدني مضطرة للخوض في تفاصيل - أجدها غير مهمة - علّي أن أزيح تهمة غمزت بها في سؤالك إذ سافرت إلى الأردن وسورية (كانت سفرة واحدة) عن طريق الأسرة كوني عضوا إداريا فيها مع كل من الأصدقاء: يوسف الحمدان، جمال الخياط، إبراهيم بوهندي وحمدة خميس، أما بقية الدعوات التي وصلتني فكانت دعوات شخصية تقدم لي باسمي، وغالبيتها من جهات لا أعرف فيها أحدا كمهرجان لوديف، جمعية الأدباء العمانية، رابطة الخرجين في حمص، واتحاد الأدباء في حماة، كلها جهات لم أكن أعرف فيها عضوا واحدا قبل الدعوة، وكان من المفترض أن أسافر منذ مارس الماضي ضمن وفد لعمان عن طريق الأسرة أيضا ولكن السفرة أجلت لأسباب مجهولة إلى أجل غير مسمى. من المؤسف أن تضطر لتعداد دعواتك كالأطفال لتثبت أنك لا تبحث عن حصة من فروة الدب، وكأن الدعوات باتت هدفا لذاتها.

 كيف تردين على من يرى أن النص الذي تكتبين - فففففف قد سمعت من يقول ذلك فعلا - مجرد فيض ''خواطر'' ليس أكثر. خالٍ من أي تكنيك. أي لغة. أية لعبة. عارٍ من أي شيء؟

- ما دام الآخر تحدث إذا فهذا الخالي والعاري أثار فيه شيئا، وهذا يكفيني وإلا لما كنت لتجري هذه المقابلة معي!

أكتب قصيدة النثر... وكفى!

 انطلاقاً من ذلك. اسمحي لي أن ألقي عليك سؤالاً وقحاً كنت قد ألقيته على أحد زملائك الألفينيين. ما اسم النص الذي تكتبينه. أسأل عن ''الاسم'' لأعثر على مفتاح أمر به إلى ''المسمى''؟

- نصا نثريا وكفى! على رغم أن المسمى لا يعنيني أبدا، المهم أنني أخذت اعترافا من شعراء كبار وناس بسطاء، أن ما أكتبه شعر (أو شيء إن أردت إثارة) جميل، لا لأنني على علاقة بهم أو معرفة بل لأنهم قرؤوا ما أكتب عن طريق الإيميل أو الصدفة أو أنهم سمعوني في مشاركة ما.
وإذا كنت مهموما بالاسم فلتخترع له اسم ''نص ألفيني'' مثلا على نمط ''شعراء ألفينيين'' وسيلقى هذا الاسم رواجا، وخصوصا أن الحديث الأزلي عن صراع الأجيال شعريا ما زال قائما، والمهاترات مستمرة: ''من يكتب ماذا'' أو ''من يتأثر بمن'' و''هذا جيل ينقرض منه الشعر'' .... إلخ
هل يعقل أننا ما زلنا نراوح في الزمان ذاته والجدل ذاته بشأن الأنواع الأدبية والحدود الصارمة التي وضعها النقاد للفصل بينها؟ وهل يعقل أننا مشغولون كل هذا الانشغال بمن كتب قصيدة التفعيلة أولا: السياب أو الملائكة؟ وهل كان طه حسين في ''الأدب الجاهلي جادا أم يلقي حجرا في المياه الراكدة؟

دعك من الشعارات الكبيرة

 دائماً ما يطبع كتاباتك متعلقات رجل مفقود. سأكتفي بعناوين مجموعاتك: ''غائب ولكن''، ''قبلة في مهب النسيان''. حتى حين منحته عرشاً فقد أوقفته على قاعدة رجراجة ''كان عرشه على الماء''. هل تعيدين كتابة اللاهوت النسوي في.. إما البكاء على الرجل أو هجائه. أم أن لديك كلاماً آخر؟

- ولكن عرش الله على الماء، هل هو على قاعدة رجراجة؟!
إن استطعت الرد على هذا السؤال بالإيجاب أكون أنا وضعت عرش ''رجلي'' على قاعدة رجراجة!
الحياة يا صديقي هل العلاقة بالآخر والأشياء والأمكنة ولأننا في الشرق أبناء بيئة واحدة لبا يمكن أن ندعي أننا أفضل منها، فإن هذا الآخر هو الجنس الآخر الذي نتقاسم معه الحياة حبا وكرها، شوقا وفقد، موتا وحياة.
دعك من الشعارات الكبيرة مثل '' كتابة اللاهوت النسوي'' فنحن في النهاية نكتب حياتنا، أحلام مستغانمي تقول: ''نحن نكتب عمن نحب لنعلن موته على الورق''، بالنسبة لي أكتب علاقتي بما حولي بتغيراتها الحتمية، هكذا أنظر إلى مجموعاتي الثلاث.

 قرأت لك نصاً تفعيلياً مكسّراً بعنوان ''حنّ لي''. ألا يؤكد ذلك المقولة الشعبية الرائجة من أن جميع الذين توجهوا إلى النثر كانوا شعراء فاشلين في التفعيلة؟.

- هل يمكن القول بهذا المعنى إن الذين يكتبون التفعيلة دائما كانوا عاجزين عن كتابة الشعر العمودي؟
النثر نوع والتفعيلة نوع، وليس أحدهما بأرقى من الآخر، هناك من شعراء التفعيلة من لا يجيد كتابة نص نثري مميز، هي وسائل مختلفة في التعبير يتفاوت البشر في امتلاك أدوات أي منها.
بالنسبة لي، لدي عدد من نصوص التفعيلة المحكمة، أما هذا النص الذي تقصد فقد احتوى عدداً من الأخطاء المطبعية في التشكيل والهمزات سببت الكسر الذي تحدثت عنه، وبإمكانك أن تعود إلى النسخة المنشورة الأسبوع الماضي في ''الوطن'' لتتأكد من سلامة الوزن!!

لست على قطيعة مع التفعيلة

 لا يخفى أمر تأثر النص الذي تكتبين بقاسم حداد. هاهو هذا الأخير يسوق اعترافاً في مقال له منشور في ''الوقت'' حديثاً. قال على لسان ادغار الن بو: ''الموسيقى بأشكالها المختلفة (الإيقاع، القافية والتفعيلة) قيمة في الشعر كبيرة بحيث ليس من الحكمة أبداً نبذها''. متى ستعترفين أنت بهذا الاعتراف أيضاً وتعكفين على إجادة هذا الفن بدلاً من الأوزان المكسرة؟

- إن استطعت أن تؤكد الكسور أستطيع الإجابة عن السؤال، أما بشأن التفعيلة فقاسم نفسه الذي استشهدت به هنا لا يزال يكتب قصيدة النثر. لست على قطيعة مع التفعيلة كل ما في الأمر أنني لم أشعر برغبة في نشر ما أكتبه من نصوص تفعيلة قبل المجموعة التي أعمل الآن على إنجازها والتي تمزج بين النثر والتفعيلة ضمن آلية معينة، ولست مضطرة لأن أسوق لك اعترافا بفضلها.

 انطلاقاً من المفاهيم الرائجة في حقل النسوية. هل يمكن الحديث عن نص نسوي ألفيني - في الجردة: سوسن دهنيم، منى الصفار، فاطمة محسن، وضحى وزينب المسجن - يتوفر على ملامح أو ثيمات من تأثير النوع الاجتماعي. بحيث يختلف عن ذاك الذي ينتجه الذكور؟

- أنا ضد المسميات والتصنيفات، فلا مصطلحك الألفيني ولا النسوي قادر على إقناعي بصحته، وليس هذا مكان الحديث في أمر هذين المصطلحين حتى لا أخرج عن السؤال، ولكن بإمكاني أن أقول إن الأسماء التي ذكرت - باستثناء زينب التي لا يمكنني التحدث عنها لأنني لم أقرأ تجربتها- لا نسق أو شبه يمكن أن يجمعها ضمن تصنيف واحد، هي تجارب ولكل تجربة حالها الخاصة، وفي المقابل هناك اختلاف بين الذكور أيضا من الشعراء ولو أنني قد أرى بعض التشابه بين وضحى وبعض الشعراء وفاطمة محسن وبعض الشعراء أيضا وقد يرى أحد تشابها لي مع بعضهم، وبالنسبة لتأثير النوع فمهما ادعينا عدم وجوده ينفذ من نافذة أو أخرى ليجد طريقه إلى الورق لأن تركيبة الكون ذكر وأنثى وهذا من طبيعة الأشياء وأجد أن الانشغال به نوع من السفسطة.

جدّي أبو الطيب المتنبي!

 هل توافقين زميلك حسين فخر قوله، إن تجارب الجيل الألفيني ليست متشابهة. وإذا وجد ثمة شبه فنفسه ذاك الشبه الذي بينها وبين التجارب التسعينية والثمانينية والسبعينية. أنت مثلاً قد تشبهين قاسم حداد في نفس الوقت الذي قد تشبهين أحمد العجمي في نفس الوقت الذي قد تشبهين فاطمة التيتون في نفس الوقت الذي قد تشبهين أحمد الستراوي. ما رأيك؟

- إذا كان محمود درويش يقول جدي أبوالطيب المتنبي فعن أي تصنيف جيلي نتحدث؟ وهل يعني قول درويش أنه ينتمي إلى جيل المتنبي؟
الشعر والكتابة عموما تعبير عن مرحلة واستمرار للمراحل السابقة شئنا أم أبينا، استمرار نحو الأفضل أو الأسوأ، هذه قصة أخرى يحكم عليها التاريخ فيسمي فترة ما مرحلة الازدهار وأخرى عصر الانحطاط. وهذا في النهاية انعكاس لمجمل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحيط بهذا الجيل أو ذاك.
هناك بعض التشابه بين بعض الأسماء، ليس على نطاق الجيل الواحد (على حد تعبيرك)، بل على نطاق الموجود، فأحيانا تقرأ نصا لفاطمة محسن على سبيل المثال تجد فيه رائحة علي الجلاوي وأحمد العجمي وبعضا من علي عبدالله خليفة، وأحيانا تقرأ نصا لمهدي سلمان تجد فيه بعضا من غيره، بل وأحيانا تقرأ نصا لعلي الجلاوي تجد فيه روح درويش أو مظفر، وآخر لقاسم تجد فيه روح أحد المتصوفة وهكذا، المشكلة أننا نقرأ الأخير لنتذكر الأول مع أن اللغة ليست حكرا على أحد، فعلى سبيل المثال إصبع الاتهام تلاحق كل من يستخدم لفظ ذئب الذي التصقت بقاسم حداد مثلا، الكلمات واحدة والإبداع يكمن في توظيفها.

 بنظرك، هل تعبر تجربة الحداثة الشعرية عند الجيل الألفيني عن قيم وأفكار حداثية أيضاً. أم أن الأمر عبارة عن استهلاك لتقنيات الحداثة والنص الحديث ليس إلا. أي من دون جملة القيم والأفكار التي تستحثها. الأمر الذي يصلح معه نعتكم مجازاً بما كان نزار قباني قد تحدث عنه ذات مرة ''لبستم قشرة الحضارة.. والروح جاهلية''؟

- هل هي مشكلة الجيل الألفيني ''مع تحفظي على التسمية'' فقط؟ إنها إحدى أزماتنا العربية إذا شئت، التناقض بين الشعار والممارسة، كم من داع إلى تحرر المرأة يضطهدها في بيته! وكم من منتصر للديمقراطية يمارس أبشع أنواع الاستبداد في حدوده الضيقة! والشاعر هو نتاج هذا الواقع ويملك حاسة بضرورة تغييره.
نحن نعيش في مجتمع لم يحسم قضاياه، هل يمكن أن تقول لي كيف يعيش المرء حداثيا؟!
هل اتفقنا على معنى الحداثة؟! إذا كنا لم نتفق عليها نصا فهل سنتفق عليها أسلوب حياة؟ هل يعيش المرء جسدا في بيته وفكرا في أوروبا مثلا؟
وهل على الشاعر أن يكون طرفة بن العبد لغة وايللوار في البحث عن الحرية ؟ وهل استطاع نزار قباني إلا أن يكون الشرقي الذي لا يرضى إلا بأدوار البطولة؟
لذا بالنسبة لجيلي، لا يمكنك أن تحكم على مجموعة كاملة بالحكم ذاته، وتضعها في سلة واحدة، البيئات مختلفة والتكوين مختلف، والخلفيات مختلفة وبالتالي فإن الرؤى والأفكار مختلفة.

في كل «جيل» هناك الغث
 هناك تهمة توجه إلى شعراء الألفية الجديدة، وهي أن شعرهم خالٍ من لحظات تأملية كبرى. العواطف أقل إيغالاً، الغنائية سريعة، الاستشراف عابر، صحيح لم تعد هناك أيديولوجيا كبيرة مستحكمة لكن الصحيح أيضاً أن هذا لم يسر لصالح رؤية جمالية مبتكرة تعوض عن استحالة الأيديولوجيا. ما يعني أنه ليس ثمة همّ حداثي، أو تحديثي، في الشعر الذي تكتبونه. إنما كتبوا وتكتبون... هكذا تمشي العجلة. ما رأيك؟

- هل من العقل أن نصم ''جيلا'' كاملا بهذه البساطة ؟ في كل ''جيل'' هناك الغث والسمين، أليس من العدمية بمكان أن نقول أن غناء هذا الجيل هابط، وشعره خاو وإبداعه معطل وصحافته مستأجرة؟ إذا لماذا نكتب وتكتب؟ لماذا وجدت المنتديات والصحف؟ فلنكسر أقلامنا جميعا ولنجلس في البيوت.
هناك إنتاج يقدمه هذا '' الجيل''، فلنضعه على طاولة النقد، ولنمحصه، الرديء سينتهي حتما.
سقوط المقولات الأيديولوجية لا يعني سقوط كل شيء فعندما سقطت شيوعية زياد رحباني على سبيل المثال مازال ينتج ألحانا تشكل نقاط علاّم لتمييز الغث من السمين، فكما قالت فيروز في إحدى مسرحياتها: ما حدا بيسقط إلا إذا سقط من جوا''.
ثم هل تعتقد أن كل الشعر السبعيني على سبيل المثال كان مليئا بالغنائية والعاطفة؟ وهل تعتقد أن من تخلى عن إيديولوجيته من ذات الجيل لاحقا حافظ على امتلاء ما يكتب قبل تخليه عنها؟ وهل ترى أن جميع شعراء الأجيال السابقة ( إن جاز هذا المصطلح ) كانوا حداثيين ومحدثين؟ لم من الواجب على كل أبناء هذا الجيل أن يكونوا مثاليين وما إن يتخلف أحد عن الركب تساق التهم لكل الآخرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق