أجرت الحوار .. هناء مرهون
تُلقي بشيءٍ من طرف ذاكرتها نحو الوقت، وتفتح للحبر مواسير الدهشة والخيلاء النصية الرائعة.. موسيقى ومعاني ظهرت في بداياتها الأولى بعنوان (غائب ولكن..) ثم تطورت إلى (قبلة في مهب النسيان) رصيد هائل من الكلمات وأمسية فردية واحدة في بيت الشعر البحريني تحت التأسيس وخطوات تنبئ عن ديوانٍ جديد ينتظر حقه من الخروج.. لا تزال سوسنةً تحت ظلال الحرم الجامعي... في البدء كانت تعكف على دراسة المحاسبة.. ثم انطلقت برغبة التحويل إلى تخصص اللغة العربية ليكون نصيرها وحليفها في التجربة الشعرية الواعدة بمليون قنديل..
" مررنا بجوارها وكان لنا من الحديث فرصة! "
• هناكَ من يسأل سؤال، لا أدرى مدى انتفاء جريمة السذاجة عنه، لكن هناك من يسأل الأديب أو الشاعر عن الوقت الذي ابتدء فيه الكتابة، لن أكون أقل سذاجة من السائل السابق لكني سأطرحه لكِ بطريقة أخرى، متى شعرتِ أنَّ قلمكِ شَرعَ بالإنطلاق؟
أعتبر بداية كتابتي هي في بداية طفولتي، كنت أجلس مع جماعة الأصدقاء... نتناول سرد الحكايا والقصص.. البطة والأرنب والقطة... كنا نلهو بالأقلام والدفاتر.. في ذلك الوقت شعرت بأن القلم صديق عزيز.. وبدأت أشعر بتميزي على زميلاتي في الكتابة، كان أول شيء نشرته هو قصّة عن فلسطين كتبتها وأنا تلميذة في الصف الخامس الابتدائي باسم مستعار.. ثم تحولت الرغبة من كتابة القصة إلى الخاطرة ثم إلى الشعر... كان لمدرستي الغالية فاطمة التيتون فضلاً ومِنّة لا أنكرها أبداً فقد فتحت عيني على الأسماء الكبيرة التي أثرت في أسلوبي كثيراً مثل الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد والشاعر أدونيس.
• ماهي بداياتكِ مع النشر ..؟
لم أكن أريد لقصائدي أن تنشر في صفحات الملتقى، كنت أطمح إلى الصفحات الثقافية المتخصصة، لكن وللأسف الشديد لم أستطع النشر لأن الصفحات الثقافية مرهونة بأسماء معينة أو أسماء معروفة ومشهورة.. لهذا لجأت إلى المواقع الأدبية في الإنترنت والمجلات العربية.
• قلتِ في (غائب ولكن ..) أنهُ أول مولود أكدَ أنَّ القلم حبيب.. والحرف صديق لا يمكن استبداله.. ماذا يعني لكِ هذا الديوان ؟
يقول البعض انَّ لغة هذا الديوان لغة متذبذبة.. أنا أقول أنَّ لهذا الديوان مشاعره المتذبذبة.. التي من المفترض أن تكتب بهذه الطريقة ولا تكتب بطريقة أخرى..، لا أدري لكن بطبيعة الحال أعتقد أنّ هذه التجربة كُتبت في مراحل متذبذبة أصلاً، هناك نصوص كتبتها وأنا في الإجازة التي تفصل بين المرحلة الإبتدائية والإعدادية.. كان عمري حينها 14 عاماً وتجدين أيضاً في نفس الديوان قصائد كتبتها في المرحلة الثانوية ..
• لكن قارئ النصوص الموجودة في هذه التجربة لا يشعر بحجم هذه الفترة الزمنية التي تشيرين إليها ..؟
ربما لأن قراءاتي في تلك الفترة كانت محدودة .. فالقراءة والاحتكاك له مردوده الكبير والإيجابي في تكوين التجربة ومنعطفاتها.. لكني في نفس الوقت أعتز بهذه التجربة كثيراً لسببين رئيسين أولاً لأن هذه التجربة كُتبت في مرحلة مبكرة جداً، وثانياً لأنها البداية التي شققت منها طريقي..
• وعلى أساسها تستطيعين تقييم تجربتك الأولى وخوض التجارب الأخرى بمزيد من المسؤولية ..
بالضبط، استفدت من هذه التجربة كثيراً ، واستفدت مما نُشر عنها كثيراً، مازلت أتذكر ما كتبه ( جعفر حسن) عن هذه التجربة، كان يقول: ان هذه التجربة لو تم تبسيطها أكثر لكان الفصل بين الشعر والخاطرة فيها صعبٌ للغاية.. كان أثر هذا الرأي قويٌ جداً عليّ، بدأت في التفكر مجدداً في طبيعة تجربتي، شعرت برغبة قوية تشدني نحو تطوير ما أمتلك.. ، طبعاً في الفترة التي فصلت بين الديوانين الأول والثاني.. كنت أكتب كثيراً كان عندي نصوص مُطورة كثيرة لكنها لم تُنشر لأني كنت أعتبر هذه التجربة كبرى تجاربي..
• ماهي الثغرات التي اكتشفتها في تجربة (غائب ولكن) الآن، وبعد أن قطعتِ شوطاً لا بأس به واستطعتِ تجاوزها في التجربة الثانية؟
في البداية أعتقد أن هناك الكثير من النصوص في تجربة (غائب ولكن) كانت أقرب إلى الخاطرة منها إلى الشعر، هناك نصوص شعرت أني لو قمت بتبسيطها أكثر لأصبحت خواطر وفي المقابل هناك نصوص أشعر أنها خاطرة أساساً وليست شعر على عكس تجربة (قبلة في مهب النسيان) أشعر أنها نضجت أكثر. من جانبٍ آخر لا أخفي أني كنت متأثرة جداً بالآخر..
• نعم، لا سيما د. مانع سعيد العتيبة وآندريه جيد..
نعم، لقد كنت آخذ النص حرفياً.. ما عدا الكلمات والعبارات والأفكار.. كنت آخذها وأبلورها بشكل ثاني، كذلك كنت متأثرة بقاسم حداد كثيراً خصوصاً في القصائد التي كتبتها ما بين الديوانين.
كذلك من الثغرات التي وجدتها في تجربة (غائب ولكن) هي طول العبارة وطول الفكرة أو التعبير عن الفكرة.. وقد اختلف ديواني الثاني في هذه المسألة فقد أصبحت العبارة مكثفة وقصيرة ومكتنزة باللغة.. "يعني تخلصت من مشكلة التطويل"..
• أعتقد أن معجمك الشعري بدأ يتشكل بكل تقاسيمه الرقيقة والبريئة..، زهرة برية.. صبّار.. ليلك أشياء نرجسية وروائح معطرة شفافة وكما تقولين ناصعة السواد، ما مدى تطور هذا المعجم الشعري في قصائدكِ الجديدة؟
بصراحة.. أشعر أن هناك مصطلحات دخلت وأخرى شُطبت وعبارات أخرى شعرت أني كتبتها كثيراً قمت بشطبها وإلغاءها .. فقد دخلت في أسلوب جديد ومختلف، والمشكلة في الأسلوب الجديد أنك حينما تتطور يكون من الصعب أن تعود لمستواك السابق لأنك بهذا ستكون قد ألغيت هذه المحصلّة لهذا عليّ أن أخرج من الأنا وأخرج من الموضوعات القديمة...
• لا أعتقد أن الموضوعات سوف تتغير جذرياً، بل أشعر أن الطرح لهذه الموضوعات هو الذي سيقع ضمن دائرة التغيير بكل ما يعنيه الطرح من تشعبات، خصوصاً في النصوص التي تحتمل الكثير من الدلالات والنصوص المشبعّة باللغة .
لا أدري، لكن شعوري بأني محاصرة أو غير منطلقة في الموضوعات هو سبب التخوف المختلط مع شعور الفرح.
• يبدو من خلال حديثك انكِ تضمرين مجموعة جديدة وكبيرة عنا.. وهذه حقيقية!
نعم ، عندي ديوان جديد جاهز للنشر، لكني لا أفكر بنشره في الفترة الحالية.
• لماذا؟
السبب وبكل صراحة ، هو اعتقادي أن ديوان (قبلة في مهب النسيان) لم يأخذ نصيبه أو حظه من المناقشة حتى الآن.. أريد أن أعطي لهذا الديوان فرصة أكبر في الظهور.
• هناك مسألة نفسية تحاول أن تكون قضية ذهنية في عقل الكاتب ألا وهي.. مسألة الكاتب الغائب أو المغيَّب في لحظة النص الرهيبة.. من الذي يكتب، الشاعر أم لحظة الكتابة المتمثلة في ذات الكتابة ؟
أعتقد أنها عملية مشاركة فالقصيدة تريدك أن تكتبها وأنت تريد أن تكتب القصيدة.. لم تكن العملية متطرفة نحو طرف معين بل هي عملية متداخلة ومشتركة ولا يمكن الفصل فيها.
• ماهو تقييمك على تجارب الشعراء من جيلك أو الشعراء الذين ارتبطت اسماءهم بنفس الفترة الزمنية.. حسين فخر، منى الصفار، علي الجلاوي، عبد الرضا زهير.. سيد جعفر وغيرهم...
أعتقد أن تجاربهم رائعة جداً وجميلة، وتجارب قوية لكني صُدمت بشاعر واحد فقط كان لمعرفتي به صدمة... تساءلت في نفسي عن الشيء الذي جعله غائباً عن القائمة التي كنت أتابعها وهو يحمل كل هذه الموهبة !! لا أخفي أني سمعت عنه بأنه شاعر جيد لكني لم أتوقع حجم الصدمة التي أصابتني بعد القراءة له وكان هذا الشاعر هو حسين فخر.
• كانت لكِ مع هذه المجموعة من شعراء جيلك طموحات مرتبطة بإظهار صرح ثقافي آخر يوازي صرح أسرة الأدباء وهو بيت الشعر البحريني، ماهو محل بيت الشعر البحريني وأين هو ؟
ببساطة بيت الشعر البحريني اندثر، المفروض أنه ابتدء في مشاريعه، لكن كما يبدو أن هناك في تلك الجماعة المؤسسة من يختلق الظروف لنفسه ولمشاغله وينأى عن بيت الشعر، فبعد كل التحديات التي طرحها هذا المشروع أراه الآن ينسحب بطريقة مشينة للغاية..
*من برأيكِ المسؤول عن الإحباطات التي أصابت بيت الشعر..؟
في البداية بيت الشعر لم يكن خارجا بصيغته الشرعية للآن لم نحصل على موافقة من وزارة الإعلام، وأعتقد أن الإحباطات ليست من هذا الطرف وحسب بل لأننا نُكيف الظروف لتكون ضدنا، أضيفي إلى ذلك أن هنالك بعض الأشخاص حاولوا تحويل المشروع الأدبي هذا إلى مشروع أيديولوجي أرادوه صوتا لدواخلهم وتوجهاتهم الدينية والسياسية على ما أعتقد ولهذا انسحب الشاعر جعفر الجمري القادم من الإمارات والذي قالها علنا: لن أتورط في مشروع أيديولوجي كهذا!
• يبدو أنكِ بنيتِ عالمك في بيت الشعر وعولتِ عليه الكثير، هل أنتِ في طريقك لتأسيس عالمك الخاص عالم كلمتكِ الخاصة بكل طموحاتها وجموحها وبمقابل كل هذه التحديات الموجودة ؟
أعتقد انني بدأت أشعر أنه من المفترض الا يسير الشاعر على منهج معين لأنه في نهاية المطاف سيكون مكررا، أتمنى أن يكون لي عالمي الخاص في الكتابة ولازلت أعول على بيت الشعر وسيعود بقوة ان شاء الله.
• تتميز أشعاركِ بتسلسل قصصي، موسيقى داخلية.. صور وتراكيب.. تخص قصيدة النثر..
عندي تعليق على تسمية الشعر الحديث بقصيدة النثر.. أنا ضد هذه التسمية كيف تكون قصيدة وتكون نثر!!
• هناك من يرد على هذا بالمقابل ويقول أن قصيدة النثر ماهي إلا مقطوعة نثرية تختلف في إخراجها على الورق عن النص القصصي أو الخاطرة، وتكتب على شكل أسطر..
لا، أعتقد أن هذا الكلام خاطئ بكل أوجهه، لأن القصيدة الحديثة تتميز بلغتها وكلماتها وصورها وموسيقاها الداخلية..
• هل وجدتِ نفسكِ في قصيدة النثر أم أنكِ تطمحين إلى شيءٍ آخر.. يسكن في هواجس قلمكِ ؟
.. أشعر أنني تمكنت من التعبير عن نفسي من خلال قصيدة النثر، شعرت بقربها مني وقربي منها.. وأتمنى أن أحقق المزيد فيها، وأظن أن هذه القصيدة تفتح الفسحة للكتابة أكثر فأكثر..
• هل نلمس هذا في ديوانكِ الجديد؟
.. في تجربتي الجديدة..أشياء كثيرة مختلفة ربما يُصدم من يقرأها، لأني أشعر بهذا فعلاً، أشعر بالإختلاف فيها من كل الجوانب، من حيث المضامين، والمعجم اللغوي، وطريقة الكتابة.. كلها جاءت بنمط مختلف..
• أنتِ بهذا تشعلين حماستنا ولهفتنا لقراءة ديوانك الجديد ..
........... ( تبتسم )
• ماهو حلمكِ الذي تؤسسين له ؟
أتمنى أن يكون لي صوتي في الشعر.. وأن لا أكون مكررة...
6 نوفمبر2002 - الوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق