الاثنين، 16 أغسطس 2010

كان دفتري في يدي.. رمزاً على هذا التمرّد.. سوسن دهنيم:


سأقول شيئاً.. وليعتبره الجميع تحريضاً
الأيام - رؤى
ثقافة - مهدي سلمان:
ترى الشاعرة سوسن دهنيم بأن التجربة الشعرية الجديرة بالاستمرار قادرة على أن تحدّد خياراتها في القراءة، وقادرة على تحسّس وعلى التعرّف والتفريق بين أدواتها الشعرية والإبداعية، وبين أدوات الشعراء الآخرين، وقادرة أيضاً على تجاوز الوقوف عند أدوات هؤلاء الشعراء، وترى أن التقاطع مع تجارب أخرى يزال من خلال أن يعيد الشاعر التفاته للنص وللقصيدة مرات من أجل أن يتنبّه لهذا الذي تقاطع معه في اللا وعي.
وترى دهنيم أيضاً أن الصورة قد أزاحت عن كاهل اللغة شيئاً مما قد يعيقها عن تأدية مهامها الفعلية والحقيقية، وأن الصورة أخذت جانباً من هذا العبء عن الشاعر، لتمكّنه من أن يلتفت إلى مهامه الفعلية، لذلك فإنه كلما كان الشاعر مقتدراً كلما استطاعت اللغة معه أن تتوسّع وأن تنفتح.
وفي حديثها عن أسرة الأدباء والكتاب ذكرت الشاعرة حكايتها مع هذه المؤسسة، والمتخيّل والواقعي في السرديات التي تُحاك حول هذه المؤسسة، وتذكر ارتباطها بهذه المؤسسة وكافة الفعاليات الثقافية في البحرين، غير أنها ترى أيضاً أن على هذه المؤسسات أن تفعّل العلاقات من أجل تطوير التجارب الشبابية.
وفي حوارنا مع الشاعرة الشابة تحرّض الشاعرة على »لا« قادرة.. وتستطيع أن تفعّل من دور الحركة النسوية في المشهد الأدبي في البحرين.
في مشروعي الثالث..
توقفت عن القراءة

* كيف يمكن أن نرصد اللحظة الشعرية لدى تجربة تتشكّل بينما تحيط الأصوات العالية والمختلفة والمتباينة بها، وكيف كانت سوسن دهنيم الشاعرة التي تتشكّل تجربتها تنظر إلى زخم الأشكال والتجارب الشعرية في ما يسمّى عصر المعلومات؟

- إن أي تجربة تشتعل في داخلها تلك الجذوة التي تُسمى جذوة الشعر، لا يمكن أن تهتم كثيراً بما حولها من التجارب والأصوات المتباينة والمتشظّية، إلا بما يمكن أن يُدعى رصداً أو تفكيكاً أو محاولةً للفهم والإستيعاب، ولذلك فإن ثمة أسماء شعرية بدأت في نشر تجربتها في سنّ متأخرة، ولكن لأن تلك الجذوة كانت مشتعلة فيها منذ البدء فقد ظهرت بشكل كبير ومدهش ومكتمل، ومن بين هذه الأسماء الشاعرة فاطمة ناعوت، لذلك فإنه ما دام الشعر يتحرّك في نفس الشاعر أو الشاعرة فلا بد أن يتّخذ له الشكل المناسب ليظهر ويبرز ويتكوّن، ولا بد أن يواجه التحديات التي تعيقه سواء كانت هذه التحديات مع نفسه أو مع الآخر.
وحين نركّز نظرنا للبحرين سنجد أنه برغم أننا في مجتمع ضيّق، سواءً على مستوى المساحة أو على مستوى التلقّي، ورغم ذلك فقد برز خلال الفترة السابقة كثير من الأسماء وصدر أيضاً عديد من المجموعات الشعرية.
لذلك فإني أؤمن بأن التجربة الشعرية الجديرة بالإستمرار قادرة على أن تحدّد خياراتها في القراءة وقادرة على تحسّس وعلى التعرّف والتفريق بين أدواتها الشعرية والإبداعية، وبين أدوات الشعراء الآخرين، وقادرة أيضاً على تجاوز الوقوف عند أدوات هؤلاء الشعراء، كل ذلك لا يعني أن الشاعر يخرج مكتملاً، فمن الممكن أن تتقاطع تجربة الشاعر المبتدئ مع شعراء آخرين سواء من خلال المفردة أو الجملة أو المعنى أو التركيب، أو غيرها..
غير أنه على الشاعر أيضاً أن يعيد التفاته للنص وللقصيدة مرات من أجل أن يتنبّه لهذا الذي تقاطع معه في اللا وعي، وهنا أودّ أن أذكر حادثة إذ إنه في إحدى المرّات وصلتني قصيدة عبر الإيميل لأحد الشعراء الكبار، وحين قرأتها صدمت بها، إذ إنها تتقاطع تماماً مع قصيدة لشاعر بحريني شاب، وبالنظر إلى التاريخ المذيّل في القصيدتين عرفتُ أن الشاعر الشاب قد أخذ المقطع الأول في قصيدة الشاعر، لم يهمّني وقتها إن كان هذا الشاعر الشاب قاصداً التعدّي على القصيدة أم لا، بل عناني أن أكونَ أكثر انتباهاً لقصيدتي، ولخلوّها من هذا »التناص التام« مع الآخر، حتى وإن جاء عن طريق اللا وعي.
وأذكر أني في بداياتي كنتُ متأثرة كثيراً بقراءاتي للشاعر قاسم حداد لذلك فقد دَخَلَ من قاموسه الشعري كثير من المفردات إلى تجربتي، من بينها مفردة »الذئب« واشتقاقاتها، وما أسميه الخروج بالوعي من هذا المأزق يتمثّل في إعادة وتكرار إعادة قراءة التجربة.
كذلك يجب أن يعي الشاعر ويستوعب وعيه الشعري، وذلك يتكوّن أساساً عبر القراءات المتأنية التي تحلّل وتفهم وتستنير.
وحين قررت أن أكتب مشروعي الشعري الجديد وحين فكرت فيه كان أول ما خطر على ذهني ساعتها أن أتوقف تماماً عن »قراءة الشعر، أو ما يتعلّق به« حتى لا تتداخل المفردات الشعرية لديّ، وحتى لا أتأثر بالتجارب الشعرية التي أقرأها، وقد كنت أتابع فقط ما ينشر في الجرائد أو الدوريات، وأترّصد أخبار الإصدارات الجديدة، غير أني لم أكن أتعمّق في هذه المتابعات، ثم حين انتهيت من مشروعي أكّدت على هذه التوّجه بأن لا أقرأ إلا بعد التنقيح التام للمجموعة، هنا أنا لا أقصد الانقطاع التام عن القراءة، بل أقصد أن يكون ثمة وعي لدى الشاعر عند بدئه لمشروع معيّن، وعي بأدواتهِ هو، وباشتراطاته هو، لذلك فإن التحدّي الأول لأي شاعر يتحسّس مشروعه الشعري هو أن يتحدّى ذاته، وأن يستوعبها ويفهمها.

لم يعد من مهام الشعر
أن يدافع عن سياسة ما

* هل يمكن أن نسمّي اقتناص اللغة في النص الشعري مكوّناً أساسياً من مكوّنات نصّك؟ ثم كيف تنظرين لقصور اللغة الآن »وسابقاً أيضاً« عن القبض على المعنى النادر، في ظل سطوة الصورة، وقصور اللغة عن اللحاق بها؟

- بالتأكيد اللغة مكوّن أساسي من مكونات النص لديّ، ولا أعتقد معك أن اللغة باتت قاصرة عن اللحاق بالصورة، فاللغة ما زالت محتفظة ببريقها وتميّزها، وقدرتها على تغيّير وتخييل الواقع، ففي الصورة لا تستطيع أن تضيف إلى المشهد ما ليسَ فيه، أنت فقط تستطيع أن تحذف منه ما هو فيه، بينما في اللغة أنت قادر على الحذف والإضافة والتغيير والتمويه، لذلك فإن اللغة تعطي معانٍ جديدة ومغايرة ومختلفة، في كل قراءة، وإعادة قراءة.
غير أني أتفّق معك في أن الصورة قد أزاحت عن كاهل اللغة شيئاً مما قد يعيقها عن تأدية مهامها الفعلية والحقيقية، فالشاعر سابقاً كان هو السياسي والشاعر والصحافي والإعلامي و.. و.. أجل الصورة أخذت جانباً من هذا العبء عن الشاعر، لتمكّنه من أن يلتفت إلى مهامه الفعلية.
لذلك فإنه كلما كان الشاعر مقتدراً كلما استطاعت اللغة معه أن تتوسّع وأن تنفتح، فالشاعر قادر على تكوين عبارات ومفردات جديدة ومدهشة، تُضاف إلى اللغة، وقد صارت العبارة الشعرية تحتمل أكثر من معنى، وبقدر ما كان الشعر أساساً للتغيير في الواقع سابقاً فقد صار الشعر الآن أساساً للتغيير في اللغة.

* هل بات الشعر الآن »كشكل أدبي« مادة للتعبير عن الذات، أم مادة للتعبير عن الآخر، أم أنه فقد الآن كلا الدورين، وما عاد بإمكانه تجديد ذاته في ظل نظريات حديثة تنظر للشعر على أنه شكل »ضعيف.. وهستيري« وهلوسة غير مجدية للتعبير عن الذات؟

- لا تستطيع أن تجزم باستمرارية شكل ما أو جنس ما، ولكن هذا اللااستمرار لا يعني الإنقطاع والانتهاء بل هو أقرب لحالة الحراك والتغيّر، فالقصة تتخذ أشكالاً متعددة من القصة القصيرة للمطوّلة للقصيرة جداً للمكثفة، والفنون تتخذ أشكالاً أخرى متعددة ومتباينة، والرواية، وهكذا.. ولكن لا يمكننا أن نقول بعدم استمرارية هذا الشكل أو ذاك، وكل متبن لشكل ما أو جنس ما ينظّر له ويدافع عنه، ولكن في النهاية لا يمكن أن يلغي شكلاً ما الشكل الآخر، فلكل شكل أو جنس إبداعي آلياته وأدواته التي من خلالها يمكن أن نحدّد مدى تميّزه ومدى قدرته على خلق الإدهاش والإبتكار.
وربما في الشق الآخر من الإجابة على هذا السؤال، أستطيع القول إنه لكل من هذه الأجناس والأشكال الإبداعية، فترات معينة تغيّر فيها شكلها أو رسالتها أو أداءها أو مضمونها، أو خطابها، بل أو متلقيها، نظراً للعصر الذي تعيشه هذه الأشكال ومتطلّباته، ففي عصرٍ ما مثلاً، كان الشعر رسولاً للثقافي والسياسي والإثني، والديني، ثم تحوّل نظراً لتغيّر الظروف ليحدّد خياراته ويجدّدها، فبعد ظهور الصحافة مثلاً غيّر الشعر خياراته، ثم بعد ظهور الإذاعة جدّد الشعر في ذاته، ثم بعد ظهور التلفزيون، والإنترنت.. وهكذا.
الآن لم يعد من مهام الشعر أن يدافع عن سياسة ما، أو يصيغ قانوناً ما، صارَ الشعر محدداً أكثر، وملتفتاً لذاتِه أكثر، وصار يهتم أكثر بأن يقدّم المتعة اللغوية والتخييلية والإبهار والإبتكار اللغوي والإبداعي.

أسرة الأدباء والكتّاب ليست
فكراً واحداً لأنها ليست شخصاً واحدا

* كيف تقيّمين علاقتك بالمؤسسات الثقافية الأهلية، وكيف تقيّمين الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات في خلق وتهيئة مناخ فكري قادر على تجديد ذاته، وتكوين رؤاه المختلفة والمغايرة؟

- حينما أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى »غائب ولكن« في إصدار مشترك مع الشاعرة منى الصفّار، كنت في الثانوية العامة وقتها، وقد كنتُ أنظر لأسرة الأدباء والكتاب البحرينية كهالة كبيرة ومؤسسة ذات سمعة ومكانة عظيمة، ويتحرّج الشاعر أن يربط اسمه باسمها، أو ينضمّ إليها، على اعتبار مكانتها الكبيرة كمؤسسة تضمّ النخبة المثقفة، وحين صدرت هذه المجموعة اتصل بي -وبمنى الصفار أيضاً- الشاعر أحمد العجمي وكان وقتها رئيساً للأسرة، وبارك لنا صدور المجموعة وطلب منا الإنضمام إلى الأسرة، وحضور فعالياتها، ووقتها رحبنا بالحضور، ورفضنا العضوية وقتها ومن خلال تفكيرنا ونظرتنا آنذاك، خوفاً على تجربتينا من النقد اللاذع من قبل هذه »النخبة المثقفة« وخوفاً من أن تتعرقل التجربة، ولكننا أيضاً لم نحضر فعاليات الأسرة، رغم فرحنا بهذه المكالمة.
ولكن وعندما صرتُ في الجامعة، كانت الأسرة تعقد لقاء الأربعاء للشباب، فذهبت مع أربع صديقات لي، واستمرّ حضورنا للقاء، حتى إننا كنا وقتها نكذب على أهلِنا كي نذهب للأسرة، وقليلاً قليلاً كان، ثم انكساران يحدثان لي، أولهما مع أسرتي حيث بدأت أجاهر بذهابي للأسرة رغم معارضة عائلتي لذلك، وثانيهما مع تلك الهالة الكبيرة التي كانت في تصوّري لأسرة الأدباء والكتاب، إذ بدأت أتعرّف على أن هذه المؤسسة ليست سوى أشخاص أستطيع التعرّف بهم والتعامل معهم، وأنها كمؤسسة راغبة في احتضان التجارب لا في كسرِها وتمزيقِها.
ثم استمرّ حضوري للأسرة رغم أن والد إحدى صديقاتي قد حضر للأسرة ثم منع ابنته من حضور الأسرة، وكان مرجع ذلك تلك الصورة المشوّهة والمغلوطة التي يحملها المجتمع المحافظ للأسرة، وربطه الغريب بين تاريخ الأسرة السياسي واليساري، وبين ما تخيّله هذا المجتمع من الإنحلال الأخلاقي فيها، ولكن كل ذلك لم يمنعني من أن أكتشف الأمر بنفسي، ومن خلال ذلك اكتشفت أن أسرة الأدباء والكتّاب ليست فكراً واحداً لأنها ليست شخصاً واحداً، فثمة اليساري واليميني والإسلامي والليبرالي، من الكتّاب أعضاء أسرة الأدباء والكتاب، وكذلك ومثل أي مجتمع آخر، ثمة الخيّر وضعيف النفس، كما في أي مجتمع آخر.. كالجامعة والعمل والقرية والحي والمدينة.
من جانب آخر كان لحجابي دور في أن أتحرّج من الإختلاط بمجتمع الأسرة، نتيجة لذلك المتخيّل الذي حملني إياه المجتمع من أن أعضاء الأسرة متحررين، كل ذلك جعلني أتساءل في نفسي، هل يمكنني أن أستمرّ؟ هل أبتعد؟ ثم بعدها كسرت حاجز الخوف من كل ذلك وقررت أن أعمّق علاقتي بالأسرة، فدخلتها كزائرة، ثم كعضوة، ثم كإدارية.
وبعدها بدأت قناعاتي بالأشياء تتغيّر، وبدأت حتى مرجعيات قناعاتي تتغيّر فصرت لا أثق بما أسمعه فحسب، بل أبني على ما أراه وما أعايشه، وربما هكذا نمط من التفكير هو ما دعاني إلى أن أفتح لنفسي باب حضور الملتقى الثقافي الأهلي، وهو الذي كان يُقال عنه إنه مؤسسة حكومية أقيمت لتناهض عمل الأسرة، غير أني رفضت هذا الحكم، وقررت أن أكتشف بنفسي من خلال الحضور والمتابعة.
وقتها كنتُ أرى أن المبدع لن يكون مميّزاً إلا إن كان تحت مظلة مؤسسة مثل الأسرة أو الملتقى، ترعاه وتقدّم تجربته وتنقدها وتتبناها، ثم في فترة لاحقة بدأت أفكّك هذه الفكرة، وأتساءل ما إذا كان ذلك صحيحاً، وخلصت إلى فكرة متطرّفة، من أن المبدع ليس عليه أن ينضمّ إلى مثل هذه المؤسسات، وهذه الفكرة أيضاً ناقشتُها مع ذاتي، وخلصت إلى نتائج معينّة منها أن الشاعر أو المبدع يحتاج إلى المؤسسة التي ترعى تجربته، ولكنه بشكل أكبر يحتاج إلى علاقات إنسانية حميمة مع المثقفين، تجعلهم لا يتحرّجون من توجيه النقد اللازم من أجل تطوير التجربة، وبعيداً عن المجاملات.
والواقع أني حين أنظر للأمر أرى أن أكثر شخص قيّم تجربتي وقوّمها ونقدها بشكل حقيقي كان الروائي فريد رمضان، وليس خلال حضوري في أسرة الأدباء بل كان خلال عملي معه، حيث إنني بعد أن اطلّع فريد رمضان على تجربتي وقدّم لي ملاحظاته عليها، بدأت أعيد نظري في المشروع الذي كنتُ أشتغل عليه، ورغم أنه كان جاهزاً ومعدًّا للطباعة إلا أنني مزقّت هذا المشروع تماماً من أجل أن أخرج عليه.
ولقد كان أمراً مؤلماً بالنسبة لي، رغم أنها خطوة كان لا بد لي من أن أخطوها، فإن تمزّق تجربة ما فإن ذلك يعني أنك قادر على أن تتجاوزها، وقد كان هذا هو التحدّي الذي وضعت نفسي أمامه.
لذلك فأنا أرى أن المؤسسة لا تكتمل فاعليتها إن لم توفّر جواً خالٍ من المجاملات، وقائم على أساس النقد الحقيقي والراغب في تطوير التجربة.

فلتتعلم المرأة كيف تقول »لا« لنفسِها

* كيف يمكن للشاعر في البحرين أن يمايز بين التناول النقدي والتناول الصحفي للتجربة؟

- ثمة مشكلة لدينا في البحرين تتمثّل في أن معظم ما يكتب في الصحافة لا يعدو أن يكون تناولاً صحافياً، وأن معظم التناول الشفاهي للتجارب لا يعدو أن يكون مجاملات، وكل ذلك لا يرتقي أبداً إلى أن يكون نقداً، أولاً لأن عدد النقاد البحرينيين قليل، وثانياً لأن أغلب التجارب النقدية اتجهت باتجاهات مختلفة، ففهد حسين اتجه لنقد العمل الروائي، و د. نادر كاظم اتجه للنقد الثقافي، ومحمد البنكي لم يعد يكتب نقداً، وجعفر حسن ما زال يحاول هنا وهناك، ثم إن جئت لمن يكتب نقداً أدبياً سترى أنه يكتب عن تجارب من خارج البحرين، وإن أراد أن يتجه للداخل فسيختار الأسماء الكبيرة واللامعة، وبذلك فإن التجارب الشبابية يتم تجاهلها.
بعض التجارب الشبابية تتعلّق بعروض الكتب والقراءات على أنها نقداً، وهذه مشكلة أخرى، فقد يعتقد الشاعر أنه بلغ مرحلة متقدّمة عندما يجد أن الصحفي »أ« أو »ب« قد كتب عنه، دون أن يلتفت إلى أن ما كُتب عنه ليس سوى عرضاً أو قراءة تأويلية، لا يمكن أن تعدّ نقداً أدبياً.

* كيف تنظرين للتجارب النسوية الشابة في البحرين، وما هي العوائق التي تعوق تكوّن مشهد نسوي مؤثر، في ظل مجتمع »ضدّ المرأة الشاعرة«؟

- سأقول شيئاً وليعتبره الجميع تحريضاً، إذا أرادت المرأة أن تكون شيئاً في مجتمعٍ كالذي يحيط بنا فعليها أن تقول »لا«، فلتقلها في وجه أبيها، أمها، أخيها، زوجِها، كل هذا المجتمع، وأولاً فلتقلها في وجه »نفسِها«.
أنظر للمشهد النسوي الأدبي الشبابي في البحرين، سترى أن ثمة كثير من التجارب التي تظهر ثم تختفي، هكذا فجأة، نتيجة لتلك السلطة الذكورية التي تحاول أن ترسم صورة مشوّهة عن المرأة الشاعرة، والمرأة بشكل عام، فممنوع على المرأة أن تخرج من بيتِها، وممنوع عليها أن تكتب، أو أن تجد نفسها.. في ظل مجتمع كهذا عليها هي أن تقول »لا« وأن تحاول أن تخوض غمار هذه التجربة، فتتعلم كيف تقول هذه الكلمة لذاتِها، أولا لكي لا تخضع للآخرين، وللمجتمع الذي يقيّدها، وللآخر أيضاً الذي ربما تواجهه في ظلّ هذه التجربة.
من خلال تجربتي أذكر أني كنت أمتلك دفتراً خاصاً للكتابة، وكان وجوده في يدي بحدّ ذاته دليلاً على هذه الـ»لا«، ورغم أن أسرتي أسرة تهتم بالجانب الأدبي فأخي الأكبر شاعر وأختي أيضاً شاعرة، وأخي الآخر مهتمّ بالإبداع، إلا أنهم كانوا يرون في هذا الدفتر رمزاً للخروج، وفي اعتقادهم عائقاً لي عن مواصلة التميّز في الدراسة، ولذلك رفضوه، وحاولوا أن يبعدوه عني، ولكني رفضت ذلك، وكتبت، وظللت أكتب أيضاً، أولاً باسم مستعار، ثم بالحروف الأولى ثم تالياً بالإسم الصريح والثلاثي.. »سوسن صالح دهنيم«، أجل تمرّدت من أجل أن أكون، وأجل أنا سعيدة بهذا التمرّد، وأنا أدعو إلى التمرّد إن كانت المرأة قادرة على أن تقول لا في الوقت المناسب، لأنه بسبب كل هذا الرفض في المجتمع للمرأة الشاعرة، وبدعاوى مختلفة فإن التجارب النسوية لا تنضج بالشكل المطلوب، لأن الكتابة فعل مرتبط أساساً بالنشر والنقد واحتمال الكتابة على الكتابة وإعادة الكتابة، أما الكتابة للذات التي تمارسها المرأة الشاعرة في مثل هذا المجتمع المحافظ، فإنها لا تستطيع أن تتجاوز ذاتها.
الشاعرة منى الصفار التي انقطعت عنها، والتي انقطعت هي الأخرى عن الكتابة »أو هكذا كنت أعتقد« عندما أعدت صلاتي بها وجدت أنها أنتجت مجموعتين ثانيتين، ولكنهما »في الدرج«. هذا هو سبب ركود الحركة النسوية الأدبية، وهذا هو سبب ركود التجارب الشعرية النسوية الخاصة.

هناك تعليق واحد:

  1. اتمني ان يكون كل نساء العالم مثل سوسن دهنيم

    ردحذف