الاثنين، 16 أغسطس 2010

الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم :


أبجدية البوح تؤثث نص مختلف..

كتب : ميلود حميدة- الجزائر


لا تنفصل عند الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم حركة الصورة و تقنية اللغة و التفاعل بينهما في كيمائية مستقلة تلك التي تخلق توازنات حديثة لنص شعري لا يتقلّد النمطية التي تجري على أعقاب التقليد ، و هذه خاصة الإبداع الحديث المتميز ، فمن خلال قراءتك لتجليات الكلمة وسط معاقل المعاني تباغتك الحركة الشعرية التي تستفز فضولك ، فترى اللجوء إلى استحضار المعاني المجردة لجوء خاصا ، ينفرد في كونه إحالات لأزمنة مختلفة داخل منظومة شعرية منثورة واحدة ، حيث تبني من خلال تلك التوابل اللغوية شروحا للمعنى و هو يحاول أن يظهر بشكل أكثر قربا بل و أكثر توغلا في التجسيد ، هذا المعنى الذي يرقى إليه النص عند الشاعرة سوسن دهنيم تقول في مقطع من قصيدتها ( بوحك يغريني بالموت ) :
يتوفاني الوجلُ
وأنا أنظِّفُ منفضةَ القلبِ مما علِقَ بها من أعقابِ بوحِك
الصمتُ مقبرةٌ من ذهبْ
فَلِمَ التورطُ بالكلامْ ؟
و من هنا نلجأ نحن أيضا إلى افتراضات عدة من خلال قراءة هادئة لنص هادئ و متزن يسحب من كل معنى معاني متعددة تولّد ما يسمى بالرؤية المجزئة لحركة المعنى ، بالإضافة إلى لغة تستقطب أجناساً شتى من التحولات كأنها تنفرد بمعجم خاص ، و لذلك تستفزنا في القراءة أكثر عندما تثبّت للوهلة الأولى نظرك في محاولة لاكتشافٍ ما ..
وأنا أقرأ ما تيسرَ من بوحِك..
تهطلُ عليَّ جسارةُ صوتِك كوطنٍ مسكونٍ بالنفي
فتتعكّزُ أذناي معلنتين انكسارَهما..
إن الحركة إذا ما دققنا القراءة هي التي تخلق ذلك التوازن و الاطمئنان في نص محترف يتقلّد منهج البحث عن الذات في فوضى الموضوع مع إدراج الموضوع في جسد الذات ، و حينما يهدأ فينا ذلك الصخب نتبع تموجات المعنى شيئا فشيئا نحو الأفق ليرسم لنا النص بدياتٍ جديدة كنا نبحث عنها و نهمس في جنح الليل همسات البوح التي تخترق الهدوء فتسبح في مساحاتها المتّسعة ..
تقول :
ألف، باء، تاء، ثاء .. ياء
أوكلُّ هذه الأبجديةُ تتضرعُ إليكَ لاقتناصِها،
ولا تأتيني إلا عينان؟
أبجدية البوح تحلّق في فضاءاتها ، فتحرّك اللغة قبل رشق المعنى ثم تغيّر المعنى إلى فصول اللغة المجسدة ، إن الشاعرة تؤثث الكلمات الرتيبة لتحيي النص ككائن يعيد ترتيب الحياة داخله ، الكلمات كلها تتضرع إلى الشاعر ليوجز المعنى و ليعيد ترتيب المكان كلما حل داخله ..
تقول :
بوحُكَ الصاخبُ، يطلِّقُ صوتَك،
لتقترفَ الصمتَ،
تكسرَ شفاهَك الفاغرةَ
وتهذي بالسكونْ..
يطلق البوح صوته الصامت في أجواءه ، فنجد كسر المرايا المعبئة به كانت نتيجةً لاختلال الكون الشعوري في دورته المستقرة ، و قد قلبت في كل جديد سياق النص لتحاول أن تخرج عن العادة و تبعثر بذلك خطط الحرب الشعرية متبعةً الطريق الحديث في إعادة بناء النص من جديد
و هذا ما يذكرني بالشاعرة المكسيكية لينا سيرون حين باحت :
-1-
أتمسّك بفترة هرمة
أصبح ماء راكعا للسماء
و ألمي يتطهّر في الانتظار..
-2-
أنا حزن عباد الشمس الليلي
يتلف ببطء
محاولا فك شفراتك..
و من فصول الشاعرة سوسن دهنيم نجد أنها في كل هذا لا تعيد الترتيب فحسب ، لأن الترتيب هو التيمة الأولى ، فهي أيضا تؤسس لنظرتها في الشعر فاعلية الرمز و رمز الفاعل في كل نص ، لتخلق بذلك كونها الخاص و فضاءها اللامرئي في حدود القراءة الواحدة و الفريدة .. النص لديها مهرجانُ حديث تجعل للمعنى فيه جنسا مختلفا لا يقلع عن كونه النص المختلف الذي يفرد الخصوصية التي يبحث عنها كل الشعراء ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق