قراءة في ديوان ( غائب ولكن ) لسوسن دهنيم
كتبت: فاطمة التيتون
جريدة الأيام/ الثقافة
26/12/1999
محاولة لإلقاء الضوء على كتاب شعر تحت عنوان ( غائب ولكن ) لسوسن دهنيم الذي كان إصدارا مشتركاً مع كتاب آخر ( عندما كنت صامتا ) لمنى الصفار. هذا الكتاب المشترك هو خطوة أولى للكاتبتين على طريق الشعر، والذي ينم عن نضج مبكر، حيث أصدرتاه وهما في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية عام 1998 م والذي أتمنى ألا تضيع هذه الخطوة الأولى وتتبعها خطوات أجمل.
سأتناول كتاب سوسن هو يحتوي على 17 قصيدة.
رائحة الغياب
نجد في الديوان أن الغياب يحول الحكاية إلى عدم، ويجعل الألم والحزن يقيمان في المكان والزمان. فكان الديوان يتكئ على مفردات الألم والخواء والموت، وهذه المعاني التي تولد النفس الشاعرة وترهق الفكر وتلح على البحث عن البدائل من فرح وارتواء وحياة، وفي البحث تبدأ القضية والصراع بين ما هو كائن وما يجب أن يكون ويبدأ الشعر.
الألم
" نتمرغ ألما في واحات الأسى والحزن
وفي أروقة الشوق نصير أكفانا للحبيب الراحل
ونحن نتجرع أنفاس الدموع وتغض أعيننا بالوجع
والغائب لا يعود "
فغياب الحبيب جعل الشوق يتحول إلى أكفان، وأعطى الألم والدموع، جعل الأشياء تغص بأوجاعها والعين لا ترى إلا الألم وهي تنتظر أمل العودة الميئوس منه.
" وأنت وحيدة لا تمتلكين سوى أسمال الألم وأوشحة الندبة "
فهذا الغائب يتحول إلى إنسان ميت لا يستحق إلا الندب، وهذا الألم يتفاقم ليصل إلى أعلى درجاته ويتحول إلى جزء من النفس تعتاد عليه وتألفه ويحل محل الغائب وكأنه البديل الذي يأتي دائما يفي بوعده وتفرح النفس بعودته كما في هذا المقطع:
" أغرب ما عرفته الأرض، أجمل ما عرفه البشر
هو حزني، لقد كان مخلصا لي
فكلٌ يهجر وينسى إلا هو يهجر ويرجع بالوصال"
الخواء
" لم ؟ والوحشة عادت،
وردنا احترق.. قبلتنا تجمدت على الجدار
وسواد الوطن والحبيبة قد تبدد "
الشعور بالوحشة، وأن لا شيء يواسي هذه النفس المتوحدة يجعل الورد والوطن يحترقان ويتحولان لسواد، ولحظة لوصال تتجمد ويبقى الإلحاح في طلب الآخر المؤنس في طلب الفرح وتأتي صرخة الألم المرة، تقول:
" في هذه الليلة العجفاء، والوحدة المرة، تقتلني صرخة الذكرى وسراب عينيك "
هذا الخواء والوحشة اللذان يملآن المكان يصلان إلى الجسد الذي كأنه يفقد الحياة يجوع ويعطش وهو قريب من الماء والمأكل وبعيد في نفس الوقت، وفي النهاية يتحول الجسد الذي كأنه يفقد الحياة ويجوع ويعطش وهو قريب من الماء والمأكل وبعيد في نفس الوقت، وفي النهاية يتحول الجسد إلى جثة لكنها حية وتتنهد، كأنها تتألم حتى في الموت.
" أمام كل حديقة كان الجوع يناديهم
أمام كل ينبوع كانوا يتذكرون العطش.............
لم يكن سوى سكون مخيف
يخنق الأنفاس ويوقف القلوب
هنالك صوت، لكنه صوت جثة تتنهد"
الموت
" لم ؟ ووجهك الغائب في الروح بين التماثيل قد تكوكب موتا تحول ضباب "
وتأتي ثالثة الأثافي الموت، ولا يأتي الغائب الفرح الحياة الأمل، فالنفس لا تستطيع التنفس ولا تجد إلا الموت تلبي له النداء.
" حينها اعلم فقط أن الموت دعاني وأني لبيت النداء"
فالموت يلحق بالغائب وبالنفس المنتظرة التي تحاول أن تحيا في انتظارها وأن تميت الأمل برجوعه كي ينتهي الانتظار.
" تتأرجح بين العتمة البراقة والنور الداكن،
تموت وتقبر،
تتقهقر بين الموت اللذيذ والحياة الفانية،
تنتبه، تجد نفسها وحيدة على حافة المقبرة منسية "
هذا الموت الذي هو ضرورة للحياة، فعندما نتخلص من موتنا الذي يصاحبنا في الخطوة وفي الأشياء من حولنا، والذي يراقبنا أينما كنا ونراه حاضرا، عندما نتخلص منه أو نتغافل عنه نستطيع أن نحيا ونرى فرحة الأشياء فالذي لا يعرف الموت لا يعرف الحياة، وهذا الإلحاح على الموت هو إلحاح على الحياة.
" بل إن ساعة الفقد حانت،
لأبحث عنك طيفا تغزو مكانك المعهود
الذي لم يبق فيه سوى مواء الرحيل ".
كلمة أخيرة
جميع قصائد الديوان نثرية ما عدا قصيدتين من شعر التفعيلة ( تساؤل ) و ( اعذريني ) فقد أجادت الكاتبة في الأسلوبين برغم أن تكثيف الصورة، وقوة التراكيب وعمق المعنى كان أهم في القصائد النثرية والذي يدل على أن الخطوات القادمة تتجه نحو قصيدة النثر وهي التي لا تخلو من إيقاع التفعيلة.
في الديوان نجد القصائد تمتاز بلغة بسيطة صافية بعيدة عن التعقيد وفي نفس الوقت قوية ومعبرة.
ونجد عاطفة متأججة فياضة تكاد تغرق العالم ببراكينها التي ينتظرها.
كتبت: فاطمة التيتون
جريدة الأيام/ الثقافة
26/12/1999
محاولة لإلقاء الضوء على كتاب شعر تحت عنوان ( غائب ولكن ) لسوسن دهنيم الذي كان إصدارا مشتركاً مع كتاب آخر ( عندما كنت صامتا ) لمنى الصفار. هذا الكتاب المشترك هو خطوة أولى للكاتبتين على طريق الشعر، والذي ينم عن نضج مبكر، حيث أصدرتاه وهما في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية عام 1998 م والذي أتمنى ألا تضيع هذه الخطوة الأولى وتتبعها خطوات أجمل.
سأتناول كتاب سوسن هو يحتوي على 17 قصيدة.
رائحة الغياب
نجد في الديوان أن الغياب يحول الحكاية إلى عدم، ويجعل الألم والحزن يقيمان في المكان والزمان. فكان الديوان يتكئ على مفردات الألم والخواء والموت، وهذه المعاني التي تولد النفس الشاعرة وترهق الفكر وتلح على البحث عن البدائل من فرح وارتواء وحياة، وفي البحث تبدأ القضية والصراع بين ما هو كائن وما يجب أن يكون ويبدأ الشعر.
الألم
" نتمرغ ألما في واحات الأسى والحزن
وفي أروقة الشوق نصير أكفانا للحبيب الراحل
ونحن نتجرع أنفاس الدموع وتغض أعيننا بالوجع
والغائب لا يعود "
فغياب الحبيب جعل الشوق يتحول إلى أكفان، وأعطى الألم والدموع، جعل الأشياء تغص بأوجاعها والعين لا ترى إلا الألم وهي تنتظر أمل العودة الميئوس منه.
" وأنت وحيدة لا تمتلكين سوى أسمال الألم وأوشحة الندبة "
فهذا الغائب يتحول إلى إنسان ميت لا يستحق إلا الندب، وهذا الألم يتفاقم ليصل إلى أعلى درجاته ويتحول إلى جزء من النفس تعتاد عليه وتألفه ويحل محل الغائب وكأنه البديل الذي يأتي دائما يفي بوعده وتفرح النفس بعودته كما في هذا المقطع:
" أغرب ما عرفته الأرض، أجمل ما عرفه البشر
هو حزني، لقد كان مخلصا لي
فكلٌ يهجر وينسى إلا هو يهجر ويرجع بالوصال"
الخواء
" لم ؟ والوحشة عادت،
وردنا احترق.. قبلتنا تجمدت على الجدار
وسواد الوطن والحبيبة قد تبدد "
الشعور بالوحشة، وأن لا شيء يواسي هذه النفس المتوحدة يجعل الورد والوطن يحترقان ويتحولان لسواد، ولحظة لوصال تتجمد ويبقى الإلحاح في طلب الآخر المؤنس في طلب الفرح وتأتي صرخة الألم المرة، تقول:
" في هذه الليلة العجفاء، والوحدة المرة، تقتلني صرخة الذكرى وسراب عينيك "
هذا الخواء والوحشة اللذان يملآن المكان يصلان إلى الجسد الذي كأنه يفقد الحياة يجوع ويعطش وهو قريب من الماء والمأكل وبعيد في نفس الوقت، وفي النهاية يتحول الجسد الذي كأنه يفقد الحياة ويجوع ويعطش وهو قريب من الماء والمأكل وبعيد في نفس الوقت، وفي النهاية يتحول الجسد إلى جثة لكنها حية وتتنهد، كأنها تتألم حتى في الموت.
" أمام كل حديقة كان الجوع يناديهم
أمام كل ينبوع كانوا يتذكرون العطش.............
لم يكن سوى سكون مخيف
يخنق الأنفاس ويوقف القلوب
هنالك صوت، لكنه صوت جثة تتنهد"
الموت
" لم ؟ ووجهك الغائب في الروح بين التماثيل قد تكوكب موتا تحول ضباب "
وتأتي ثالثة الأثافي الموت، ولا يأتي الغائب الفرح الحياة الأمل، فالنفس لا تستطيع التنفس ولا تجد إلا الموت تلبي له النداء.
" حينها اعلم فقط أن الموت دعاني وأني لبيت النداء"
فالموت يلحق بالغائب وبالنفس المنتظرة التي تحاول أن تحيا في انتظارها وأن تميت الأمل برجوعه كي ينتهي الانتظار.
" تتأرجح بين العتمة البراقة والنور الداكن،
تموت وتقبر،
تتقهقر بين الموت اللذيذ والحياة الفانية،
تنتبه، تجد نفسها وحيدة على حافة المقبرة منسية "
هذا الموت الذي هو ضرورة للحياة، فعندما نتخلص من موتنا الذي يصاحبنا في الخطوة وفي الأشياء من حولنا، والذي يراقبنا أينما كنا ونراه حاضرا، عندما نتخلص منه أو نتغافل عنه نستطيع أن نحيا ونرى فرحة الأشياء فالذي لا يعرف الموت لا يعرف الحياة، وهذا الإلحاح على الموت هو إلحاح على الحياة.
" بل إن ساعة الفقد حانت،
لأبحث عنك طيفا تغزو مكانك المعهود
الذي لم يبق فيه سوى مواء الرحيل ".
كلمة أخيرة
جميع قصائد الديوان نثرية ما عدا قصيدتين من شعر التفعيلة ( تساؤل ) و ( اعذريني ) فقد أجادت الكاتبة في الأسلوبين برغم أن تكثيف الصورة، وقوة التراكيب وعمق المعنى كان أهم في القصائد النثرية والذي يدل على أن الخطوات القادمة تتجه نحو قصيدة النثر وهي التي لا تخلو من إيقاع التفعيلة.
في الديوان نجد القصائد تمتاز بلغة بسيطة صافية بعيدة عن التعقيد وفي نفس الوقت قوية ومعبرة.
ونجد عاطفة متأججة فياضة تكاد تغرق العالم ببراكينها التي ينتظرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق