البياض يغطي كل أجزاء الغرفة، الأغطية، لباس الممرضات، الثوب الذي ترتديه، الملاءات، الكرسي الخشبي بالقرب من السرير الحديدي.. البياض يكاد يكون اللون الوحيد الذي تراه عيناها المتعبتان، حتى الجدران لم تقبل بتغير لونها، فنظافتها لم تدع مجالاً لأي لون أي يتخللها..
تجول ببصرها شطر الباب، لا زائر يأتي ولا أحد يحاول الإقتراب من الذاكرة!
هل تراها ماتت فلم تعد تتذكر أحداً؟
أهذه الغرفة هي قبرها الذي بدا وكأنه غرفة مستشفى ؟
يقولون إن القبور معتمة ولكن الانوار قوية جدا هنا.
تتساءل: أين أنا وما كل هذا الصمت؟
لكنه ليس صمتا مطبقا فهنالك صوت لدقات قلب يملأ المكان، هل الموتى يشعرون بالنبض؟
هل تعود قلوبهم للنبض بعد أن تتوقف ليمارسوا حياة جديدة بقلوب صالحة للتمرد؟
قلوب ؟ إن هذه هي الكلمة المشكلة، فقد كان آخر ما تتذكره ألم شديد أصاب قلبها وبدأ النبض بالتراخي إلى أن أغلقت عيناها قبل أن تنتبه على بياض هذه الغرفة.
كان معها على الهاتف يوبخها، ويسوق إليها الشتائم التي لم تعد تتذكر منها شيئا كصورته التي غابت تماما واسمه الذي بدا وكأنه صعب ومن المستحيل تذكره..
من هو هذا الرجل الذي تتذكر أنه شتمها وأنه سبب لغيابها عن النبض وربما عن الحياة ؟
نسيته ولم تعد تتذكر منه شيئا عدا بياض ماكان يرتدي، و.........
تتذكر... لقد ضربها !
تتحسس وجهها، رقبتها، وتنظر إلى ذراعا من تحت الأبيض،،
لم يكونا على الهاتف إذا، كان معها وما تزال آثار الضرب على يدها ورقبتها وأسفل وجهها !
تتذكر،، نعم أتذكر الآن اسمه، وصفته ، وبياض ثيابه ، وبياض شعره وبياض روحه التي كانت تعتقد...
البياض إذا يعاود غزوها، بياض القطن الموضوع بلامبالاة على ظهر كفها يجعلها ترغب في رميه ، لكنه المصل مثبت به ما يجعلها تتراجع عن الفكرة!
أخيرا ... إنها قطرات دم تغطي القطن ، وتتناثر على رقبتها..
تستلم للنوم وصورة بياض ملابسه تغزو أهدابها.
يدوي الجهاز الموضوع قربها يعلن عن حالة طوارئ جديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق